يقول الحافظ ابن كثير في إيضاح المقصود بهذه الآية الكريمة:"هذا وعدٌ من الله تعالى لرسوله صلوات الله وسلامه عليه بأنَّه سيجعل أُمَّته خلفاء الأرض أي أئمة الناس والولاة عليهم، وبهم تصلح البلاد، وتخضع لهم العباد، وليبدلنهم من بعد خوفهم أمناً، وحكماً فيهم، وقد فعله تبارك وتعالى وله الحمد والمنة"[٢٥] .
كما يرشد الله تبارك وتعالى عباده المؤمنين في موضع آخر من كتابه الكريم أنَّ الأمن والطمأنينة نعمة عظيمة من نعمه سبحانه على خلقه، يجب على عباده أن يشكروه عليها، وأن يبتغوا السُّبُل في المحافظة على دوامها واستمرارها، وأن يحذروا الكفر والشرك بالله تعالى والتنكُّب لشرعه، لأنَّ ذلك إيذانٌ بوقوع العذاب وانتزاع الأمن وذهاب الطمأنينة وشيوع الخوف بدلاً منهما والعياذ بالله.
يقول الله تعالى موضِّحاً ذلك:{وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ}[٢٦] .
والمتأمِّلُ في كتاب الله تعالى يجد أنَّ هنالك عوامل كثيرة قد كفلت الأمن في المجتمع المسلم، وآذنت بتحققه إذا ما التزم الناس بها، كالعقيدة الصحيحة، ودفع ما يؤذي المجتمع من الأقوال والأفعال، وردع المجرمين، ومنع المعصية والمنكر، من التفشي بين الناس، وحثِّ أفراد المجتمع على التحلِّي بالأخلاق الإيمانية الكريمة، ومعرفة أقدار الناس، وإنزالهم مواضعهم اللائقة بهم، وعدم امتهانهم أو التعدِّي عليهم.
كذلك رتَّب الإسلام قاعدة هامَّة بين الحاكم والمحكوم، أو الراعي والرعيَّة، تقوم على تنظيم الحقوق والواجبات بين الطرفين، أساسها الإيمان، وقوامها الثقة، ولحمة سداها الشعور بالمسؤولية المشتركة، المؤدية لخير المجتمع وأمنه واستقراره.