للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والآن وأنا أحسبك أخي القارئ قد فهمت مدلول هذه الآيات وأدركت مغزاها، وعرفت صلتها بالآيات السابقة لها أريد قبل أن أنتقل معك إلى جانب آخر من البحث أمر بك مرة أخرى في ظلال هذه الآيات مستعرضين معانيها، واقفين على بعض الجوانب من أسرارها وهدايتها، قوله تعالى: {إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا} الآيات.

المعنى: أذكر أيها الرسول للذين شق عليهم أن لا يستأثروا بالغنيمة الوقت الضيق الحرج الذي واجهوا فيه قوة قريش الحربية تلك القوة التي لا قبل لهم بها ولا قدرة لهم عليها بحيث لو وكلوا فيها ٍٍِإلى أنفسهم لم يكونوا ليخرجوا منها سالمين فضلا عن أن يخرجوا منها ظافرين منتصرين، حيث أوحى الله إلى الملائكة أن ثبتوا الذين آمنوا ثبتوا قلوبهم حتى لا تفزع من الهول، ولاتنخلع من الرعب والخوف، ثبتوا الأقدام حتى لا تزول ولا تتزلزل، وباشرت الملائكة مهمتها على الفور فألمت بالقلوب تلهمها الصبر وتبشرها بالنصر.

وسرعان، بعد أن ألقى الله الرعب في قلوب الكافرين ما انقلبت المعركة إلى صالح المؤمنين فدارت رحى الحرب تطحن أعداء الله طحنا، ولم تلبث حتى تكشفت عن هزيمة كبرى أصيب بها المشركون، وعن نصر حاسم فاز به الموحدون.

ولكل من النصر والهزيمة علة ظاهر وسر غير خاف، فعلة النصر الإيمان بالله ورسوله، وسره طاعة الله ورسوله، وعلة الهزيمة الكفر بالله ورسوله, وسرها المشاقة لله ولرسوله {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ} .

ووراء ذلك حكمة عظيمة: التعليم بأن النصر في المعارك وفي كل زمان ومكان لا يتوقف الحصول عليه ولا الفوز به على كثرة العدد، ولا على قوة العدد، وإنما يتوقف على الإيمان الصادق، وطاعة الله في شرعه وسننه والرسول في محبته وصدق متابعته.

كما هي التنبيه إلى عوقب الكفر الوخيمة، ونتائج المشاقة لله ورسوله وما يترتب عليها من الخزي والهزائم والخذلان: