أما بعد فإن المسألة التاريخية - وهي إحدى المسائل الأساسية في حياة البشرية - كانت محل عناية نصوص الكتاب والسنة، فكثير من تلك النصوص عَرَضَ وقائع تاريخية، وأشار إلى أحداث وقصص، وأكد على سنن الله التي تتشكل بموجبها حركة التاريخ، ولاشك أن المسلمين اليوم في أمس الحاجة إلى نوع من الدراسات التاريخية المنبثقة من تاريخ أمتنا الإسلامية لعل ذلك يكون أحد الأسباب المهمة التي تعيد لأمتنا ثقتها بنفسها، وتنير لها طريق الحياة الكريمة الرائدة التي أرادها الله لها، متجاوزة أكبر قدر ممكن من العقبات والأخطاء مستفيدة من حركة التاريخ الملأى بالعبر، والعظات.
إن نصوص الوحيين قد نبهتنا كثيراً إلى أخذ العبر والعظات من تاريخ الأمم وقصصها {وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشاً فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ}[٤] .
ومن هنا جاء اهتمام علماء المسلمين بتدوين تاريخهم بشكل لم يُسبقوا إليه ليكون سجلا حافلاً للأحداث والسير، ووسيلة مهمة للدراسة والتحليل تستخلص منه العبر والعظات.
قام علماء المسلمين بتلك المهمة وفق مقاييس ومناهج قائمة على أسس إيمانية وعلمية مستمدة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ذلك الوحي الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه [٧] .