للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكان الملك عبد العزيز ـ رحمه الله ـ حكيماً في معالجة الأمور، يقود شعبه بقلبه، وإذا استحكمت الأمور استعمل الفكر والرأى قبل السيف، هذا هو منهج الملك عبد العزيز.. يؤكده أنه في اليوم الذي أرسى فيه أول لبنة في بناء المملكة.. يوم فتح الرياض في شوال سنة ١٣١٩هـ، لم يُرسل رجاله المحاربين، ولم يسلّ سيفه على أعدائه، ولكنه مضى على سنة الرسول صلى الله عليه وسلم القائل لأهل مكة حينما فتحها: "اذهبوا فأنتم الطلقاء" [٥٢] .

وكان ـ رحمه الله ـ بطلاً مغواراً، وشجاعاً لايُبارى، لا يخشى في الحق لومة لائم، وكان يتقدم الجموع أثناء القتال، ليُلقِي الرعب في نفوس أعدائه، ويرفع الحماس بين رجاله. وكان رأيه سابقاً لشجاعته، وبُعد نظره وسعة أُفقه، وقوة حكمته. وكان ينشد بيتي المتنبي:

هو أول وهي المحل الثاني

الرأي قبل شجاعة الشجعان

بلغت من العليا كل مكان [٥٣]

فإذا هما اجتمعا لنفس مرة

وكان ـ رحمه الله ـ كثير التواضع، ليّن الجانب، يظهر أمام رعيته بأنه واحد منهم، له مالهم، وعليه ما عليهم، ولم يكن يتفاخر بملبسه أو مسكنه [٥٤] .

وكان عفوّاً عند المقدرة، وقد لازمته هذه الصفة حتى توفاه الله، فقد عفا عن أناس ناصبوه العداء مدة طويلة، وأضمروا الشر لمملكته في كثير من المواقف، وكانت مواقفهم تتطلب إنزال أشد العقوبات بحقهم، ولكن الملك عبد العزيز يسدل ستار الصلح، فيعفو عنهم، والأمثلة على ذلك كثيرة [٥٥] .

ومن الصفات الحميدة التي كان يتحلى بها: صفة الوفاء، فقد كان محبا لأصدقائه القدماء، وفيّاً معهم، وكان يتفقد أحوالهم، ويكافئهم بالمنح والعطايا [٥٦] .

وقد وهب الله الملك عبد العزيز ذاكرة قوية فذّة، فقد كان ذكيّاً فطناً في كل ما يقرأه أو يسمعه أو يقوله أو يفعله. وكان حاضر البديهة، حسن الاستشهاد.