ولعلَّ السبب في ذلك يعود إلى قسوة المعيشة، وقلة الأمن، وندرة المعلِّمين المتفرِّغين، نظراً للظروف السائدة في ذلك الوقت.
لذا فقد أدرك الملك عبد العزيز - رحمه الله - أنَّ الجهل بابٌ واسعٌ للفوضى في شتَّى مناهج الحياة. ورأى - رحمه الله - أنَّ المنهج الصحيح في بناء المجتمع المسلم هو محاربة هذا الدَّاء اللَّدود. وذلك بنشر العلم واعتماده وسيلة رئيسه للقضاء على الجهل والتخلُّف، وطريقاً إلى الاطلاع على منجزات العصر الحديث، والأخذ بأسباب التقدُّم والتطور، مِمَّا لا يتعارض مع العقيدة.
وكان اهتمام الملك عبد العزيز - رحمه الله - بنشر العلم والمعرفة، أحد الإنجازات العظيمة، حيث حقَّق اهتمامه بهذا الجانب الذي حظي بدعمه المادِّي والمعنوي نجاحاً كبيراً.
ومن وصاياه لطلبة العلم قوله - رحمه الله - لخريجي معهد الطَّائف، الذين قدموا للسَّلام عليه في مكَّة يوم ٧ صفر سنة ١٣٥٠ هـ:
" أنتم أوَّل ثمرة من غرسنا الذي غرسناه بالمعهد، فاعرفوا قدر العِلْمِ واعملوا به، لأنَّ العلم بلا عمل كشجرة بلا ثمر"[٣٥] .
ويقول - رحمه الله - "قليلٌ من العِلْمِ يُبَارك فيه خير من كثيرٍ
لا يبارك فيه، والبركة في العمل" [٣٦] .
وقد مرَّ التعليم في عهد الملك عبد العزيز بمرحلتين:
المرحلة الأولى: تبدأ بعد فتح الملك عبد العزيز - يرحمه الله - للرياض في ٥ شوال سنة ١٣١٩هـ، ويتركَّز اهتمامه في هذه المرحلة بإرسال الوعاظ والمرشدين إلى البادية ليعلِّمُوهم أمور دينهم، ويغرسوا في نفوسهم روح العلم والإخاء، وطمأنينة الأمن والاستقرار.
وذلك عن طريق "الهجر"، وبناء المساجد فيها، وبناءً عليه يمكن اعتبار إنشاء الهجر أوَّل محاولة للتعليم قام بها الملك عبد العزيز في هذا المجال [٣٧] .