للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لقد أدرك ـ يرحمه الله ـ جهل الناس بحقيقة الاختلاف بين أئمة المذاهب الإسلامية الأربعة، وعدم علمهم (أنه ليس أحد منهم يتعمد مخالفة رسول صلى الله عليه وسلم في شيء من سنته، دقيق ولا جليل، فإنهم متفقون اتفاقاً يقينياً على وجوب اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم، وعلى أن كل واحد من الناس يؤخذ من قوله ويترك، إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن إذا وجد لأحد قول، قد جاء حديث صحيح بخلافه، فلا بد له من عذر في تركه، فهو إما أنه لا يعتقد أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله، أو أنه لا يعتقد إرادة تلك المسألة بذلك القول، أو أنه يعتقد أن ذلك الحكم منسوخ.

أما إذا ترك أحد منهم الحديث، فلا بدّمن وجود سبب في تركه، فهو إما أن الحديث لم يبلغه، أو أنه قد بلغه ولكن لم يثبت عنده، أو أنه اعتقد ضعفه باجتهاد قد خالفه فيه غيره، أو أنه التزم شروطاً خاصة في الأخذ به يخالفه فيها غيره، أو أنه قد بلغه ولكن نسيه، أو عدم المعرفة بدلالته ... ) (١) .

ورأى ـ يرحمه الله ـ جهل الناس بنزاهة مقصد هؤلاء الأئمة، وبخدمتهم لهذا الدين خدمة عظيمة؛ فقد بذلوا جهدهم وكل ما في وسعهم في استنباط الأحكام الشرعية، ولا هدف لهم إلا إصابة الحق وإرضاء الله جل شأنه، ونهوا الناس عن التقليد، ودعوهم إلى الأخذ بالدليل، وبما ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وتبرؤوا عن رأيهم إذا خالفه.


(١) ينظر ابن تيمية: رفع الملام (ص:٣ـ٢٧) بتصرف.