لقد جاءت الآية الكريمة ذات الرقم (٤١) من سورة الحج، تحمل دلالات عامَّة وشاملة لا يحدها زمان ولا مكان - كما ظهر ذلك من أقوال المفسرين -، وسواء أريد ب {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْض} طائفة مخصوصة - كالمهاجرين، أو أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، أو أهل الصلوات الخمس، أو الولاة - أو كان المراد عموم أُمَّة الرسول صلى الله عليه وسلم، كما يدل عليه ظاهر نظم الآية - التي سيقت في قوالب شاملة عامَّة - كالذين، والأرض، وأقاموا الصلاة، وآتوا الزكاة، وأمروا بالمعروف، ونهوا عن المنكر - فإنَّ الآية تعرض الصورة الكريمة التي سيكون عليها هؤلاء المؤمنون الذين أُخْرِجُوا من ديارهم بغير حق، وذلك حين ينصرهم الله، ويمكِّن لهم في الأرض، وتكون لهم القوة والغلبة [٦٩] . إنَّهم مع ذلك لن يكونوا على شاكلة مشركي مكَّة الذين كان إليهم وبأيديهم القوة والسلطان، فتسلَّطوا على عباد الله، ورهقوهم، وأخذوهم بالبأساء والضراء، وأخرجوهم من ديارهم بغير حق [٧٠] .
إنَّ هؤلاء المؤمنين حين يمكن لهم في الأرض - سيكونون مصابيح هدى وينابيع رحمة - للإنسانية كلها بما يقيمون فيها من موازين
الحق والعدل، وما يغرسون في آفاقها من مغارس الخير والإحسان.
إنَّهم يقيمون الصلاة ليستمدوا منها العون من الله.
ويؤتون الزكاة فيكشفون الضر عن عباد الله.
ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، فيصلحون بهذا من سلوك الناس، ويقيمون لهم الطرق المستقيمة، فلا تتصادم منازعهم، ولا تفسد مشاربهم. وقد صدق الله وعده، ومكَّن سبحانه وتعالى للمؤمنين في الأرض، بعد أن هاجروا من مكة إلى المدينة.
فكانوا أعلام هدى، وآيات رحمة، وموازين عدل وإحسان بين الناس، وكانوا كما وصفهم الله تعالى بقوله:{كُنْتُم خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَت لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بالمعروفِ وَتَنْهَونَ عَنِ المُنْكَرِ وَتُؤْمَنُونَ باللهِ}[آل عمران: ١١٠][٧١] .