للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الرابع: أنَّ تلك الصورة الكريمة والسيرة الحسنة لم تدم طويلاً:

سبق أنَّ الصورة الكريمة التي سيكون عليها المؤمنون الذين أُخرجوا من ديارهم بغير حق - بعد التمكين لهم في الأرض - قد تحقَّقت في رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام - رضوان الله عليهم، وذلك بعد أن هاجروا إلى المدينة النبوية، وتوفَّرت فيهم شروط التمكين، حيث قامت أول دولة إسلامية تحت راية لا إله إلاَّ الله وأنَّ محمَّداً رسول الله.

وكان أولئك المؤمنون القائمون على أمرها، مَصابيح هدى، وينابيع رحمة للإنسانية كلها، بما يقيمون فيها من موازين الحق والعدل، وما يغرسون في آفاقها من مغارس الخير والإحسان.

فكانت سيرتهم في الحكم والرعية شعيرة إسلامية يجب الاهتداء بها، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "عليكم بسنَّتي وسُنَّة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسَّكوا بها وعضّوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإنَّ كُلَّ محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار" [٧٧] .

كما أصبحت سيرتهم في الرعية وما كانوا عليه من العدل أمنية إنسانية يود كل قائم ومسئول عن أمر المسلمين أن يسيرها ويهتدي بها أو بما يشابهها.

لكن تلك الصورة الكريمة والسيرة الطيبة التي كان عليها الرسول صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه من بعده - لم تدُم طويلاً، لحكمةٍ يعلمها الله، وأسباب قدرها، ومنها الابتعاد عن شروط التمكين في الأرض، والإخلال بما أمر الله به.. نعم! ما برحت عوامل الضعف الذاتية، ونقم الكيد الخارجية تنهش في جسم الأمة الإسلامية بما يوهن أو يمرض عافيتها [٧٨] .

إلاَّ أنَّ الله -تعالى- بمقتضى اسمه اللطيف، واسمه الرحيم، وقى هذه الأُمَّة من الاستئصال [٧٩] . وقضى بقدره الحكيم بحفظ الدين إلى يوم التناد، كما قال -تعالى-: {إنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: ٩] .