وبالنظر في هذه الآيات التي تتحدث عن عناية الشرائع السابقة في علاجها لمشكلة الفقر، ومكانة الزكاة في تلك الشرائع - كوسيلة من وسائل العلاج الناجع - يظهر لنا عدة أمور:
الأمر الأول: أنَّ الآيات السابقة لا تعدو أن تكون ترغيباً في الإحسان والعطف، وترهيباً من الأنانية والبخل، ودعوة صريحة إلى التصدق عن طواعية واختيار، وليس فيها إلزام بحيث يشعر التارك للزكاة بأنَّه محاسب ومعاقب في الدنيا والآخرة.
الأمر الثاني: لم تحدد النصوص الأموال التي تجب فيها الزكاة، ولا شروط الزكاة، ولا مَنْ تُدفع إليه الزكاة، بل أبهمت ذلك كله مِمَّا يتعذَّر معه جباية الزكاة وتوزيعها.
الأمر الثالث: وكلت النصوص السابقة موضوع الزكاة إلى الأفراد،
ولم تلزم الدولة بجبايتها وتوزيعها على مستحقيها.
الأمر الرابع: لا يفهم من النصوص السابقة حل مشكلة الفقر حلاًّ جذرياً والقضاء عليه والأخذ بيد الضعفاء والمحتاجين إلى حد الاكتفاء، بحيث لا يمدون يد الحاجة إلى الأغنياء، بل يفهم منها التخفيف من ويلات الفقراء والتقليل من بؤسهم مع بقاء المشكلة.
وهذا يعني بقاء الضعفاء والمحتاجين تحت رحمة الأغنياء ومِنَّتهم - إذا حرَّكهم حب الله والآخرة أو الثناء الدنيوي جادوا بشيءٍ ولو قليل - على ذوي الحاجة والفقر، فهم أصحاب الفضل والمِنَّة. وإذا غلب عليهم الشح وحب المال - ضاع الفقراء وافترستهم الفاقة - ولم يجدوا من يدافع عنهم أو يطلب لهم حقّاً. إذ لم يكن لهم حق معلوم، وهذا هو خطر الإحسان الموكول إلى الأفراد [٧١] .*