كما مرَّ في الدعامة الثانية (إيتاء الزكاة) أنَّ الهدف العام منها هو أن لا يقتصر نفع المؤمن على نفسه، بل إنَّه مطالب أن يمد يد العون إلى أخيه المسلم؛ لأنَّ إيمانه لا يكمل إلاَّ بذلك، وأنَّ التفاف الأمة حول المنهج والتعاون على الخير وتحقيق معنى الأخوة الإسلامية والاعتصام بالكتاب والسُنَّة وعدم التفرق - حتى يصبح المجتمع المسلم كالجسد الواحد، وكالبنيان يشد بعضه بعضاً، وتنعدم فيه الأنانية والبغضاء - هو من أهداف القاعدة الثانية أيضاً.
ثُمَّ تأتي القاعدة الثالثة والرابعة [الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر] وهي صمام الأمان لسلامة الأمة المسلمة واستمرار صلاحها.
فالحكمة من مشروعية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على ضوء الآية الكريمة حينئذٍ أنَّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو الحارس الأمين الدائم الذي يراقب المجتمع المسلم. فيسد نوافذ الشر والبدع - حتى لا تصل إلى ذلك التجمع الذي مكنه الله في الأرض وأسبغ عليه نعمه وأنقذه من هوة الشرك إلى نور الإسلام. ومن الاضطراب والفرقة إلى التماسك والوئام والمحبة في الله ومن أجل الله.
ولك أن تتصور - أخي الكريم - مجتمعاً - توافرت فيه هذه الأُسس: القيام بتوفية الدين حقه من الأقوال والأعمال والاعتقادات، وتواصي أهله بإيصال كل حق إلى مَنْ يستحقه. ولم يقتصر نفع أفراده على أنفسهم وحسب، بل أحب كل فرد فيه لأخيه ما يحبه لنفسه، وتلاشت بينهم الفروق التي تُسَبِّب العداوة والافتراق، وحلَّت بدلها الألفة والوئام، وأخوة الإسلام.