الثاني: هذا الملك الذي جمع الله به شمل العرب بعد الفرقة وأعزهم به بعد الذلة، وكثرهم بعد القلة فإني كذلك لا أدخر قطرة من دمي في سبيل الذود عن حياضه" [٤] ، ومن أجل ذلك أعد جيشاً قوياً على عينه، ورباهم على نهجه، حتى خلصت نفوسهم من الشوائب وقدموا أرواحهم عند النوائب، يبتغون نصرة الدين الحق وسماهم جنود التوحيد يقول رحمه الله: "إن ورائي ما لا يقل عن أربعمائة ألف مقاتل، إن بكيت بكوا، وإن فرحت فرحوا، وإن أمرت نزلوا على أرائي، وإن نهيت انتهوا، وهؤلاء هم جنود التوحيد" [٥] وبهذا الوصف الدقيق لجيشه، واجه قوى الشر وأعداء الوحدة، وقد تعرض رحمه الله للأخطار، وأصيب في جسده مرات عدة، ولم يثنه ذلك عن هدفه يقول رحمه الله: "لقد أوذينا في سبيل الدعوة إلى الله وقوتلنا قتالاً شديداً، ولكنا صبرنا وصمدنا" [٦] ولم تزل ندب الجراح باقية في جسده شاهدة على تلك المعاناة الملحمية يقول أحد وزرائه: "خاض عبد العزيز أكثر من مائة معركة، ولما مات وجدوا على جسمه ثلاثاً وأربعين ندبة وأثر جرح" [٧] ولكنه خرج من هذه جميعاً منتصراً بفضل الله تعالى ثم إيمانه العميق بنصر الله وعدالة قضيته المتمثلة في جمع أمته وإقامة شريعة الله وتحكيمها بها ونشر الدعوة الإسلامية يقول رحمه الله: "إن ربي لم يعطني ما أعطاني من قوة مني بل أعطاني ما أعطانيه عن ضعف مني وقوة منه، اعتدت أن أحزم أمري وأجمع ما استطيع جمعه من قوة وأحياناً يفوتنا النصر مع القوة الكبيرة، حتى إذا قل عددنا، وكاد اليأس يقرب من القلوب هدانا الله إلى الطريق التي نسلكها للنصر، فيفتح لنا لنعلم أن النصر من عنده يؤتيه من يشاء" [٨] .