لا جرم أن جمع القلوب المتنافرة على الحق مهمة عسيرة، لا يستطيعها إلا الأكفاء الملهمون والزعماء الموفقون، مما فتح الله لأحدهم باب التوفيق على مصراعيه، ونزع له من معينه بملء يديه، فإن استمالة القلوب آية البصيرة، وعنوان التوفيق وبرهان النجاح، فرب كلمة بليغة، تأخذ بمجامع الأفئدة، وكم من صفح وعفو ينسي الضغائن، ويقشع وحر الصدور، وما فتئ الملك الإمام يعامل خصومه ومناوئيه ومضطهدي مواطنيه بألوان التسامح والصفح، رغم نقض العهود ونكث الوعود، ولا يلجأ إلى القوة إلا مكرهاً، حين استنفاذ جميع الحلول المتاحة، يقول -رحمه الله-: "ليس لدينا أحب من السلام يغمر هذه الربوع، فنحن لسنا طالبي حرب، ولا نشهر السلاح إلا في وجه من يبارزنا بالسلاح، لقد آن لهذه البلاد أن تعرف السكينة، وتنعم بالسلام، فلنوحد صفوفنا وكلمتنا"[٤] .
وسمع يتمثل كثيراً بقول الفرزدق
ولا نقتل الأسرى ولكن نفكهم
إذا أثقل الأعناق حمل المغارم [٥]
ويصف أحد شهود العيان [٦] أثر أسلوب اللطف واللين في خصوم الملك الإمام يقول الأستاذ عبد الرحمن عزام- رحمه الله-: "كنت في عام ١٩٣٨م ضيفاً له - يقصد الملك الإمام - في شمال نجد، وبقيت أياماً في البادية للقنص، وكلما جلسنا إلى طعام، وجدت حوله من قاتلوه أو قاتله آباؤهم، يمزحون ويمزح معهم ويشاركهم في قوله وماله ومتاعه، وهو يستمع لقصصهم، وقصص آبائهم معه، والهزائم التي ابتلي بها في قتالهم، والنصر الذي آتاه الله عليهم ويقسم إنه يراهم كما يرى أبنائه، ولا يرضى فيهم إلا ما يرضى لأبنائه".