لا مناص لأي مصلح نبيه وداعية حصيف، من أخذ أهبة الاستعداد لمواجهة الخصوم، وامتلاك ناصية التأثير، لإرشاد الضال، وتعليم الجاهل وإقناع المستنكف، وإقامة الحجة على المجادل، إمتثالاً لقوله تعالى:{وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَن}[٨] وما كان للملك الإمام عبد العزيز -رحمه الله - وقد تصدى لمهمة شاقة تنوء بأعناق عظماء الرجال، أن يغفل عن هذا الأسلوب، حيث أن خصوم الوحدة يومئذ كثيرون مختلفوا المآرب والرؤى، ولدى بعضهم من الشبهات على الدعوة السلفية ما يلزم تفنيدها حيث أن حملات خصوم الدعوة، بدأت تظهر على صفحات المجلات البارزة يومئذ وانطلقت تؤججها قوى شريرة، مارست التشويه لجهود الملك الإمام عن عمد، ولوثت عقول الكثير من أبناء المسلمين، مما دفع الملك الإمام اضطراراً إلى استخدام الجدل لإقناع مستمعيه، واهتبل كل فرصة سانحة لبيان منهجه في تحقيق الوحدة ونبذ الفرقة وسلامة مقصدها والرد على خصومها، وقد اكتسب خبرة في حياته وشبابه في هذا المضمار، إذ كلفه والده الإمام عبد الرحمن -رحمه الله- بإصلاح ذات البين بين القبائل العربية المتناحرة، فأدى ما أوكل إليه ببراعة واقتدار، بين أقوام عرفوا بسرعة البديهة ودقة الملاحظة وذلاقة اللسان، وحين حمل على عاتقه وحدة بلاده وشعبه، لم يزل يواجه بين الفينة والأخرى بعض العصاة، فكان يسعى إلى استمالتهم بالحجة والإقناع ولم يستنكف قط من سماع وجهات النظر الأخرى، ومناقشتها وكان -رحمه الله- يحب الحوار والمناقشة.