للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فقوله: "استقر"في محل رفع خبر المبتدأ الذي هو قوله: "ذا"، وإظهار "استقرَّ"هنا للضرورة (١) ، كما في قول الشاعر:

لكَ العِزُّ إنْ مولاك عزَّ وإن يَهُنْ

فأنت لدى بحبوحةِ الهونِ كائنُ (٢)

لكونه كوناً مطلقاً.

ويمكن حمل بيت الألفية على وجه آخرَ هو أن يراد بالاستقرار الثبوت، وكذا يحمل الكون في قول الشاعر على الثبوت وعدم التزلزل والانفكاك فيصير كوناً خاصاً ويخرج من بيت الضرورة، لأنه حينئذٍ يجوز ذكره، وحذفه.

ونظير هذا ما قاله أبو البقاء العكبري وغيره في قوله تعالى: {فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ} (٣) : إن الاستقرار في الآية معناه الثبوت، وعدم التحرك، لا مطلق الوجود والحصول، فهو كون خاص.

وقال في باب "لا النافية للجنس":

ومفرداً نعتاً لمبنيٍّ يلي

فافتح أوِ انصبَنْ أو ارفع تَعْدِلِِ (٤)

فإن قوله: "ومفرداً نعتاً"مفعول مقدم لقوله: "افتح أو انصب أو ارفع"من باب التنازع مع تأخر العوامل. وقد قدَّم "مفرداً"على "نعتاً"وحقه التأخير، لأنه وصف له لأجل الضرورة.

ويجوز نصبه - أعني "مفرداً"- على الحالية، لأنه وصفٌ لنكرة تقدم عليها. وعليه فلا ضرورة في البيت.

وقال في باب "المفعول معه":

والنصبُ إنْ لم يجزِ العطفُ يجب


(١) الأصل عند الجمهور أن الخبر إذا كان ظرفاً أو جاراً ومجروراً أن يكون كل منهما متعلقاً بكون عام واجب الحذف، فإن كان متعلقهما كوناً خاصاً وجب ذكره إلاّ أن تقوم قرينة تدل عليه إذا حذف، فيجوز ذكره وحذفه. انظر: شرح ابن عقيل ١/٢٥٠، الهمع ٢/٤٠.
(٢) من " الطويل ".بحبوحة كل شيء: وسطه. والهون: الذل والهوان.
والشاهد فيه: التصريح بالخبر "كائن "الذي تعلق به الظرف "لدى "وهو شاذ، والقياس حذفه.
والبيت في: المغني ٥٨٢، شرح ابن عقيل ١/٢١١، المقاصد النحوية ١/٥٤٤، الهمع ٢/٢٢، ٥/١٣٥، شرح شواهد المغني ٢/٨٤٧، الدرر ٢/١٨، ٥/٣١٣.
(٣) من الآية ٤٠ من سورة النمل.
(٤) الألفية ص٢١.