وقال أكثر البصريين: ولا يجوز كذلك تقديم الجواب على الأداة، لأنه ثانٍ أبداً عن الأول متوقف عليه.
فإن تقدم شبه الجواب على الأداة فهو دليل عليه وليس إياه، وإنما الجواب محذوف مدلول عليه بما قبله نحو: أنت ظالم إن فعلت، والتقدير: أنت ظالم إن فعلت فأنت ظالم.
ولا يكون هذا الحذف اختياراً إلا إذا كان فعل الشرط ماضياً لفظاً أو معنى بأن كان مضارعاً مقترناً بـ"لم" نحو: {لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لأَ رْجُمَنَّكَ} (١) .
قال ابن مالك في شرح الكافية الشافية: "ولا يكون فعل الشرط مضارعاً غير مجزوم بـ"لم"عند حذف الجواب إلا في ضرورة.
أما في التسهيل فقد ذكر مرةً أن حذفه دون تحقق هذا الشرط مخصوص بالشعر، وذكر مرة أخرى أنه قليل.
وقد وقع في الألفية شيء كثير من حذف الجواب مع فوات شرط هذا الحذف، وهو كون الشرط فعلاً ماضياً.
ولا أزعم أني قد حصرت هذه المواضع كلها، ولكني وقفت على اثني عشر منها.
ففي باب "الموصول"قال:
إنْ يُستطل وصلٌ وإنْ لم يُستطل
فالحذفُ نزرٌ وأبَوْا أنْ يُختزلْ
فـ "إنْ يُستطل"- بالبناء للمفعول - فعل الشرط مجزوم بـ "إنْ"
و"وَصْلٌ"نائب عن الفاعل بـ"يُستطل"، وجواب الشرط محذوف للضرورة لكون الشرط هنا مضارعاً.
وقال في باب "التنازع":
ولا تجيء مع أوَّلٍ قد أُهملا
بمضمرٍ لغير رفعٍ أُوهِلا
بل حذفَه الزم إنْ يكن غيرَ خبر
وأخِّرَنْه إنْ يكن هو الخبرْ
فقوله: "إن يكن غير خبر"و"إن يكن هو الخبر"حذف في الموضعين جواب "إنْ"التي فعلها مضارع. وهو ضرورة.
وقال في باب "المفعول معه":
والعطف إنْ يمكن بلا ضعفٍ أحقْ
والنصبُ مختارٌ لدى ضعفِ النسقْ
فـ "إنْ"حرف شرط، و "يمكن"فعل الشرط، وجوابه محذوف للضرورة، لكون الشرط غير ماض.
وقال في باب "عطف النسق":
وبانقطاعٍ وبمعنى بَلْ وَفَتْ
إنْ تكُ مما قُيِّدت به خَلَتْ
(١) من الآية ٤٦ من سورة مريم.