النبي - صلى الله عليه وسلم - بلزومه جرى بسبب ذلك على المسلمين من القتل، والجراح والهزيمة ما هو معلوم، ولما استنكر المسلمون ذلك أنزل الله قوله تعالى:{أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} ولو أن أحداً يسلم من شر المعاصي وعواقبها الوخيمة لسلم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه الكرام يوم أحد وهم خير أهل الأرض ويقاتلون في سبيل الله ومع ذلك جرى عليهم ما جرى بسبب معصية الرماة التي كانت عن تأويل لا عن قصد للمخالفة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - والتهاون بأمره، ولكنهم لما رأوا هزيمة المشركين ظنوا أن الأمر قد انتهى وأن الحراسة لم يبق لها حاجة وكان الواجب عليهم أن يلزموا الموقف حتى يأذن لهم النبي - صلى الله عليه وسلم - بتركه، ولكن الله قد قدر ما قدره وقضى ما قضى لحكمه بالغة وأسرار عظيمة، ومصالح كثيرة قد بينها في كتابه سبحانه وعرفها المؤمنون وكان ذلك من الدلائل على صدق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنه رسول الله حقا، وأنه بشر يصيبه ما يصيب البشر من الجراح والآلام ونحو ذلك وليس بإله يعبد وليس مالكا للنصر، بل النصر بيد الله سبحانه ينزله على من يشاء، ولا سبيل إلى استعادة المسلمين مجدهم السالف واستحقاقهم النصر على عدوهم إلا بالرجوع إلى دينهم والاستقامة عليه وموالاة من والاه، ومعاداة من عاداه، وتحكيمه في أمورهم كلها، واتحاد كلمتهم على الحق وتعاونهم على البر والتقوى كما قال الإمام مالك بن أنس - رحمة الله عليه -: "لن يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها "، وهذا هو قول جميع أهل العلم والله سبحانه إنما أصلح أول هذه الأمة باتباع شرعه والاعتصام بحبله والصدق في ذلك والتعاون عليه، ولا صلاح لآخرها إلا بهذا الأمر العظيم، فنسأل الله أن يوفق المسلمين للفقه في