وقال أبو المظفر السمعاني في تفسيره:"وقد رووا عن جعفر بن عبد الله وبشر الخفّاف قالا: كنّا عند مالك بن أنس فأتاه رجل فسأله عن قوله: {الرَّحْمَنُ عَلَى العَرْشِ اسْتَوَى} ، كيف استوى؟ فأطرق مالك مليًّا، وعلاه الرحضاء، ثم قال:"الكيف غير معقول، الاستواء مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، وما أظنّك إلاّ ضالاًّ، ثم أمر به فأخرج"، من غير شك في رواية بشار الخفاف.
١٠- رواية سحنون عن بعض أصحاب مالك.
قال ابن رشد في البيان والتحصيل: قال سحنون: أخبرني بعض أصحاب مالك أنَّه كان قاعداً عند مالك فأتاه رجل فقال:"يا أبا عبد الله مسألة؟، فسكت عنه ثم قال له: مسألة؟، فسكت عنه، ثم عاد فرفع إليه مالك رأسَه كالمجيب له، فقال السائل: يا أبا عبد الله: {الرَّحْمَنُ عَلَى العَرْشِ اسْتَوَى} ، كيف كان استواؤه؟ فطأطأ مالك رأسَه ساعة ثم رفعه، فقال:"سألتَ عن غير مجهول، وتكلّمتَ في غير معقول، ولا أراك إلاَّ امرأ سوء، أَخرِجوه".
فهذا جملة ما وقفت عليه من طرق لهذا الأثر عن إمام دار الهجرة مالك بن أنس - رحمه الله -، وبعض طرقه صحيحة ثابتة، وبعضها لا يخلو من مقال، إلا أنّها يشدّ بعضها بعضاً، ويشهد بعضها لبعض، والأثر ثابت بلا ريب بمجموع هذه الطرق، ولذا اعتمده أهل العلم، وصححه غير واحد، وقد تقدّم الإشارة إلى بعض من صحّحه، ولا يُعرف أحدٌ منهم ضعّفه، وسيأتي في مبحث لاحق نقل كلام أهل العلم في التنويه به، والثناء عليه، وتلقّيهم له بالقبول والاستحسان.
المبحث الثاني: ذكر الشواهد على هذا الأثر من الكتاب والسنة