أحياء بعدما مزّقهم البِلى إلى دار النعيم أو إلى الجحيم".
ثمَّ"إنَّ الله – سبحانه - وصف نفسه بأنّه بيّن لعباده غاية البيان، وأمر رسوله بالبيان، وأخبر أنَّه أنزل عليه كتابه ليبيّن للناس، ولهذا قال الزهري:"مِن الله البيان، وعلى رسوله البلاغ، وعلينا التسليم"، فهذا البيان الذي تكفّل به – سبحانه -، وأمر به رسوله، إما أن يكون المراد به بيان اللفظ وحده، أو المعنى وحده، أو اللفظ والمعنى جميعاً، ولا يجوز أن يكون المراد به بيان اللفظ دون المعنى، فإنَّ هذا لا فائدة فيه، ولا يحصل به مقصود الرسالة، وبيان المعنى وحده بدون دليله وهو اللفظ الدال عليه ممتنع، فعُلم قطعاً أنَّ المراد بيان اللفظ والمعنى.
والله تعالى أنزل كتابه - ألفاظه ومعانيه -، وأرسل رسوله ليبيّن اللفظ والمعنى، فكما أنّا نقطع ونتيقّن أنّه بيَّن اللفظ، فكذلك نقطع ونتيقّن أنّه بيّن المعنى، بل كانت عنايته ببيان المعنى أشدّ من عنايته ببيان اللفظ، وهذا هو الذي ينبغي، فإنَّ المعنى هو المقصود، وأمَّا اللفظ فوسيلة إليه ودليل عليه، فكيف تكون عنايته بالوسيلة أهمّ من عنايته بالمقصود؟، وكيف نتيقّن بيانه للوسيلة ولا نتيقّن بيانه للمقصود؟، وهل هذا إلا من أبين المحال؟
فإنْ جاز عليه ألاّ يبيّن المراد من ألفاظ القرآن، جاز عليه ألاّ يبيّن بعض ألفاظه، فلو كان المراد منها خلاف حقائقها وظواهرها ومدلولاتها وقد كتمه عن الأمة، ولم يبيّنه لها كان ذلك قدحاً في رسالته وعِصمته، وفتحاً للزنادقة والملاحدة من الرافضة وإخوانهم بابَ كتمان بعض ما أنزل عليه، وهذا منافٍ للإيمان به وبرسالته".