للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال علي رضي الله عنه لما قيل له: هل ترك عندكم رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً؟، فقال:"لا، والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إلا فهماً يؤتيه الله عبداً في كتابه، وما في هذه الصحيفة". فأخبر أنَّ الفهم فيه مختلف في الأمة، والفهم أخصُّ من العلم والحكم، قال الله تعالى: {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلاًّ آتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً} ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم:"رُبَّ مبلّغ أوعى من سامع" (١) وقال:"بلِّغوا عني ولو آية" (٢) وأيضاً فالسلف من الصحابة والتابعين وسائرالأمة قد تكلّموا في جميع نصوص القرآن آيات الصفات وغيرها، وفسّروها بما يوافق دلالتها وبيانها، ورووا عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث كثيرة توافق القرآن، وأئمة الصحابة في هذا أعظم من غيرهم مثل عبد الله بن مسعود الذي كان يقول:"لو أعلم أعلمَ بكتاب الله مني تبلغه آباط الإبل لأتيته"، وعبد الله بن عباس الذي دعا له النبي صلى الله عليه وسلم وهو حبر الأمة وترجمان القرآن كانا هما وأصحابهما من أعظم الصحابة والتابعين إثباتاً للصفات، ورواية لها عن النبي صلى الله عليه وسلم، ومَن له خبرة بالحديث والتفسير يعرف هذا، وما في التابعين أجلّ من أصحاب هذين السيّدين، بل وثالثهما في عليّة التابعين من جنسهم أو قريب منهم، ومثلهما في جلالته جلالة أصحاب زيد بن ثابت؛ لكن أصحابه مع جلالتهم ليسوا مختصين به بل أخذوا عن غيره مثل عمر وابن عمر وابن عباس، ولو كان معاني هذه الآيات منفياً ومسكوتاً عنه لم يكن ربانيو الصحابة أهل العلم بالكتاب والسنة أكثر كلاماً فيه.


(١) سورة الأنبياء، الآية: (٧٩) .
(٢) رواه البخاري (٣/٥٧٣ - ٥٧٤ - الفتح) .