للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ونظير هذا من المبالغة قوله صلى الله عليه وسلم في حديث السبعة الذين يظلهم الله "ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه". وهذا القول مروي عن أكثر المفسرين, وممن قال به ابن عباس ومجاهد وقتادة وأبو صالح كما نقله عنهم ابن جرير وجعفر الصادق كما نقله عنه الألوسي في تفسيره ويؤيد هذا القول أن في مصحف أُبيّ (أكاد أخفيها من نفسي) كما نقله الألوسي وغيره وروى ابن خالويه أنها في مصحف أبي كذلك بزيادة (فكيف أظهركم عليها) وفي بعض القراءات بزيادة (فكيف أظهرها لكم) وفي مصحف عبد الله ابن مسعود بزيادة (فكيف يعلمها مخلوق) كما نقله الألوسي وغيره.

الوجه الثاني: أن معنى الآية أكاد أخفيها أي أخفي الأخبار بأنها آتية والمعنى أقرب أن أترك الأخبار عن إتيانها من أصله لشدة إخفائي لتعيين وقت إتيانها.

الوجه الثالث: أن الهمزة في قوله: (أخفيها) هي همزة السلب لأن العرب كثيرا ما تجعل الهمزة أداة لسلب الفعل كقولهم شكا إلي فلان فأشكيته أي أزلت شكايته وقولهم عقل البعير فأعقلته أي أزلت عقاله وعلى هذا فالمعنى أكاد أخفيها أي أزيل خفاءها بأن أظهرها لقرب وقتها كما قال تعالى: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ} . الآية. وهذا القول مروي عن أبي علي كما نقله عنه الألوسي في تفسيره ونقله النيسابوري في تفسيره عن أبي الفتح الموصلي ومنه قول امرئ القيس ابن عابس الكندي:

فإن تدفنوا الداء لا نخفه

وإن تبعثوا الحرب لا نقعد