ثم إنَّ لأهل العلم أقوالاً كثيرةً جداًّ مماثلة لقول الإمام مالك هذا، وتُؤدّي إلى مقصوده، وكما قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: "وهكذا سائر الأئمّة قولهم يوافق قول مالك ... ".
ومن أقوال السلف المماثلة لقول مالك ما يلي:
١- قال شيخ الإسلام ابن تيمية:"روى أبو بكر الخلال في كتاب السنة عن الأوزاعي قال: سئل مكحول والزهري عن تفسير الأحاديث فقالا: "أمرّوها كما جاءت"، وروى أيضاً عن الوليد ابن مسلم قال: سألت مالك ابن أنس وسفيان الثوري والليث بن سعد والأوزاعي عن الأخبار التي جاءت في الصفات، فقالوا: "أمرُّوها كما جاءت"،- وفي رواية قالوا: "أمرُّوها كما جاءت بلا كيف"- وقولهم - رضي الله عنهم -: "أمرّوها كما جاءت" ردٌّ على المعطِّلة، وقولهم: "بلا كيف"ردٌّ على الممثِّلة، والزهري ومكحول هما أعلم التابعين في زمانهم، والأربعة الباقون أئمة الدنيا في عصر تابعي التابعين، ومن طبقتهم حماد بن زيد وحماد بن سلمة وأمثالهما ... ".
وأورد أثر مالك وربيعة ثم قال:"فقول ربيعة ومالك الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب"موافق لقول الباقين: "أمرُّوها كما جاءت بلا كيف"، فإنما نفوا علم الكيفية ولم ينفوا حقيقة الصفة، ولو كان القوم قد آمنوا باللفظ المجرّد من غير فهم لمعناه على ما يليق بالله لما قالوا "الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول"، ولما قالوا:"أمرّوها كما جاءت بلا كيف"، فإنَّ الاستواء حينئذ لا يكون معلوماً، بل مجهول بمنزلة حروف المعجم، وأيضاً فإنَّه لا يحتاج إلى نفي علم الكيفية إذا لم يفهم عن اللفظ معنى، إنما يحتاج إلى نفي علم الكيفية إذا أُثبتت الصفات.
وأيضاً فإنَّ من ينفي الصفات الخبرية أو الصفات مطلقاً لا يحتاج إلى أن يقول:"بلا كيف"، فمن قال: إنَّ الله ليس على العرش، لا يحتاج أن يقول: بلا كيف، فلو كان مذهب السلف نفي الصفات في نفس الأمر لما قالوا: بلا كيف.