فالجواب: أن قصة الغرانيق مع استحالتها شرعا لم تثبت من طريق صالح للاحتجاج, وصرح بعدم ثبوتها خلق كثير من العلماء كما بيناه بيانا شافيا في رحلتنا, والمفسرون يروون هذه القصة عن ابن عباس من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس رضي الله عنهما, ومعلوم أن الكلبي متروك, وقد بين البزار أنها لا تعرف من طريق يجوز ذكره إلا طريق أبي بشر عن سعيد بن جبير مع الشك الذي وقع في وصله, وقد اعترف الحافظ ابن حجر مع انتصاره لثبوت هذه القصة بأن طرقها كلها إما منقطعة أو ضعيفة إلا طريق سعيد بن جبير, وإذا علمت ذلك فاعلم أن طريق سعيد بن جبير لم يروها بها أحد متصلة إلا أمية بن خالد, وهو وإن كان ثقة فقد شك في وصلها؛ فقد أخرج البزار وابن مردويه من طريق أمية بن خالد عن شعبة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس فيما أحسب ثم ساق حديث القصة المذكورة, وقال البزار:"لا يروى متصلا إلا بهذا الإسناد تفرد بوصله أمية بن خالد وهو ثقة مشهور", وقال البزار:"وإنما يروى من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس والكلبي متروك". فتحصل أن قصة الغرانيق لم ترد متصلة إلا من هذا الطريق الذي شك راويه في الوصل, وما كان كذلك فضعفه ظاهر, ولذا قال الحافظ ابن كثير في تفسيره أنه لم يرها مسندة من وجه صحيح, وقال العلامة الشوكاني في هذه القصة:"ولم يصح شيء من هذا ولا ثبت بوجه من الوجوه ومع عدم صحته بل بطلانه فقد دفعه المحققون بكتاب الله كقوله: {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأَقَاوِيلِ} الآية, وقوله:{وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} , وقوله:{وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً} الآية, فنفى المقاربة للركون فضلا عن الركون", ثم ذكر الشوكاني عن البزار أنها لا تروى بإسناد متصل وعن البيهقي أنه قال:"هي غير ثابتة من جهة النقل"وذكر عن إمام الأئمة ابن خزيمة أن هذه القصة من وضع الزنادقة وأبطلها عياض