المبحث الثاني: في معنى قوله:"الكيف غير معقول"والضوابط المستفادة منه.
المبحث الثالث: في معنى قوله: "الإيمان به واجب"والضوابط المستفادة منه.
المبحث الرابع: في معنى قوله: "والسؤال عنه بدعة"والضوابط المستفادة منه
المبحث الأوّل:
في معنى قوله:"الاستواء غير مجهول"والضوابط المستفادة منه
مراد الإمام مالك رحمه الله بقوله:"الاستواء غير مجهول"ظاهرٌ بيِّنٌ، حيث قصد رحمه الله أنَّ الاستواء معلوم في لغة العرب، وقد سبق أن نقلت في مبحث سابق جملةً من النقولات عن أئمّة السلف رحمهم الله في معنى الاستواء وأنَّ المراد به في اللغة: العلوّ والارتفاع، وهو من الصفات السمعية المعلومة بالخبر، وهو علوٌّ وارتفاعٌ مخصوصٌ وقع بمشيئة الربّ تبارك وتعالى وإرادته، فعلاَ سبحانه وتعالى فوق عرشه كيف شاء سبحانه "فالأصل أنَّ علوَّه على المخلوقات وصفٌ لازمٌ له كما أنَّ عظمته وكبرياءه وقدرته كذلك، وأما الاستواء فهو فعلٌ يفعله سبحانه وتعالى بمشيئته وقدرته، ولهذا قال فيه:{ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} ، ولهذا كان الاستواء من الصفات السمعية المعلومة بالخبر، وأما علوُّه على المخلوقات فهو عند أئمّة أهل الإثبات من الصفات العقلية المعلومة بالعقل مع السمع".
والاستواء كما تقدّم له معنى معلوم من لغة العرب وهو العلوّ والارتفاع، لكن ما يضاف إلى الله منه فهو أمرٌ يليق بجلاله وكماله سبحانه لا يشبه ما يكون من المخلوقين، ولا يجوز أن يثبت لفوقيته خصائص فوقية المخلوقين وملزوماتها كقولهم: لو كان على العرش لكان محتاجاً إليه، ولو سقط العرش لخرّ مَن عليه، سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون الجاحدون علواًّ كبيراً، لأنَّ الله تبارك وتعالى أضاف الاستواء إلى نفسه الكريمة كما أضاف إليه سائر أفعاله وصفاته، فلم يذكر استواء مطلقاً يصلح للمخلوقين ولا عاماًّ يتناول المخلوق، وإنما ذكر استواءً أضافه إلى نفسه الكريمة.