للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الثاني: قول القرطبي بعد أن نقل ما قيل في معنى الاستواء حيث قال: "أظهر الأقوال وإن كنتُ لا أقول به ولا أختاره ما تظاهرت عليه الآي والأخبار والفضلاء الأخيار أنَّ الله سبحانه على عرشه كما أخبر في كتابه بلا كيف بائنٌ من جميع خلقه، هذا جملة مذهب السلف الصالح".

فهو كلام غريب من مثله رحمه الله، إذ كيف يكون على علم بتظاهر الآيات عليه وقول الفضلاء الأخيار به وأنَّه مذهب السلف الصالح ثم يصرّح بأنَّه لا يقول به ولا يختاره، {فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلال} ، ولذا قال السفاريني رحمه الله بعد أن نقل كلامه هذا: "وفي قوله رحمه الله: "وإن كنتُ لا أقول به" غاية العجب، لأنَّه اعترف بتظافر الآيات القرآنية عليه ودلالة الأخبار النبوية إليه، وتعويل السلف الصالح الأخيار عليه، فكيف يليق من مثله أن يقول: "وإن كنتُ لا أقول به ولا أختاره"مع الدلالات القرآنية والأحاديث النبوية، وكونه معتقد الرعيل الأول والحزب الذي عليه المعوَّل ... ". وبالله وحده التوفيق.

المبحث الثاني:

في معنى قوله: "والكيف غير معقول"والضوابط المستفادة منه

قول الإمام مالك رحمه الله في الاستواء: "والكيف غير معقول"هو نظير قول غير واحد من أئمة السلف في إثبات الصفات عموماً: "بلا كيف"، وقد سبق نقل بعض ألفاظهم في ذلك ومنها غير ما تقدّم:

قول سفيان بن عيينة: "كلُّ شيء وصف الله به نفسه في القرآن فقراءته تفسيره ولا كيف ولا مثل".

وقول وكيع: "نسلم هذه الأحاديث كما جاءت ولا نقول كيف هذا، ولِمَ جاء هذا".

وسبق أن مرَّ معنا قول مالك نفسه رحمه الله، وغيره من أئمة السلف في الصفات: "أَمِرُّوها كما جاءت بلا كيف".