للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فأمَّا أحكام الدنيا فكذلك أيضاً، فإنَّ جهاد الكفار يجب أن يكون مسبوقاً بدعوتهم، إذ لا عذاب إلاَّ على من بلغته الرسالة، وكذلك عقوبة الفساق لا تثبت إلاَّ بعد قيام الحجّة".

ولهذا إذا علم العالم المحقق من حال الرجل أنَّه غير معذور بدَّعه بعينِه، ووصفه بأنَّه مبتدع، وإذا كان بخلاف ذلك لم يبدِّعه، ولعلّه لأجل هذا قال الإمام مالك رحمه الله: "وما أُراك إلاَّ مبتدعاً وفي لفظ: "وما أُراك إلاَّ ضالاًّ وفي لفظ: "وإني لأظنّك ضالاًّ وفي لفظ: "وما أظنّك إلاَّ ضالاًّ وأُرى بمعنى: أظنّ، فلم يجزم رحمه الله بتبديعه، وفي لفظ قال: "أنت رجل سوء، صاحب بدعة"، وفرقٌ بين إطلاق الوصف على الشخص بأنَّه مبتدعٌ، وبين القول بأنَّه صاحب بدعة، ولو فُرض أنَّ الإمام مالكاً رحمه الله قد بدَّعه بعينه فإنَّه يُحمل على أنَّه عَلِم من حاله أنَّه وقع في الأمر المبتدَع على وجه لا يُعذر فيه، وممّا يقوِّي هذا أنَّ في بعض طرق القصة ما يشير إلى أنَّ هذا الرجل عنده شيء من التعنّت في هذه المسألة، وحبِّ الإثارة، والتمادي في الأمر، مما لا يكون إلاَّ في أهل الأهواء والبدع، ففي رواية سفيان للقصة: قال الرجل: "والله الذي لا إله إلا هو لقد سألت عن هذه المسألة أهلَ البصرة والكوفة والعراق فلم أجد أحداً وُفِّق لما وُفِّقَ إليه".

وعموماً فأهل العلم يفرّقون بين التعميم والتعيين في التكفير والتبديع والتفسيق، ولا يلحق شيء من هذه الأوصاف بإنسان معيّن إلاَّ وَفْق شروط وضوابط معلومة عند أهل العلم، والله أعلم.

المبحث الثالث:

ذكر ما في قوله: "أخرجوه عني"من فائدة

لقد أمر الإمام مالك رحمه الله بإخراج هذا السائل تأديباً له، وصيانةً لمجلسه من أن يكون لأحد من أهل الأهواء مجال أن يخوض فيه برأي أو هوى أو تقرير باطل أو إثارة شبهات أو نحو ذلك.