للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

روى البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية: {هُوَ الَّذِي أَنزَلَ عَلَيْكَ الكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أمُّ الكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ} إلى قوله: {أُولُو الأَلْبَابِ} قالت: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فإذا رأيت الذين يتّبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمَّى الله فاحذروهم" (١)

فأرشد صلوات الله وسلامه عليه إلى الحذر منهم واجتنابهم، وقصة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه مع صَبيغ بن عسل الذي كان يسأل عن متشابه القرآن مشهورة، رواها غير واحد من أهل العلم، وفيها تأديب عمر له، ونفيه إلى البصرة، وهو نوع من التعزير له ليتأدَّب "والتعزير منه ما يكون بالتوبيخ، وبالزجر بالكلام، ومنه ما يكون بالحبس، ومنه ما يكون بالنفي عن الوطن، ومنه ما يكون بالضرب".

قال الإمام الآجري رحمه الله بعد أن روى قصة عمر: "فإن قال قائل: فمن يسأل عن تفسير {وَالذَّارِيَاتِ ذَرْواً فَالحَامِلاَتِ وِقْراً} استحق الضرب والتنكيل به والهجرة؟ قيل له: لم يكن ضرب عمر رضي الله عنه له بسبب هذه المسألة، ولكن لما تأدّى إلى عمر ما كان يسأل عنه من متشابه القرآن من قبل أن يراه، علم أنَّه مفتون، قد شغل نفسه بما لا يعود عليه نفعه، وعلم أنَّ اشتغاله بطلب علم الواجبات من علم الحلال والحرام أولى به، وتطلّب علم سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى به، فلما علم أنَّه مقبل على ما لا ينفعه، سأل عمرُ اللهَ تعالى أن يمكِّنه منه حتى يُنكِّل به، وحتى يحذر غيره، لأنَّه راعٍ يجب عليه تفقّد رعيّته في هذا وفي غيره، فأمكنه الله تعالى منه".


(١) سورة: آل عمران، الآية: (٧) .