كانت لأسرته مكانة عالية إضافة إلى ما عرفت به من علم وفضل فقد كان جدّه من أمراء الدولة العثمانية، ولذا فقد نشأ ابن كمال في بيت جاهٍ وسلطان، وهذا يجعل حياته مرفّهة ومنعمّة، ولكنه التحق بالجيش وهو شاب، فكان لهذا أثر في تكوين شخصيته، من حرصٍ على الوقت، وجدٍّ، وتحمّلٍ للشدائد، والصبر على الصعوبات.
وأراد الله له الخير والذّكر الحسن، فرأى منظراً صرفه عمّا هو فيه من عملٍ إلى طلب العلم، وقد وصف ذلك المنظر، فذكر أنه كان مسافراً مع السلطان بايزيد خان ووزيره إبراهيم باشا، ثم صادف أن كان في حضرة الوزير أمير ليس في الأمراء أعظم مكانةً منه؛ لا يتصدّر عليه أحد من الأمراء، وبينما ابن كمال في هذا الموقف العسكري، الذي يقف فيه كل إنسان عند حدود رتبته، ولا يتطلّع إلى أعلى منها؛ إذا هو يشاهد رجلاً رثّ اللباس؛ لا تدلّ هيئته على علوّ منزلة، يخطو خطوات واثقة، فيتصدّر المجلس، ويتبوأ مكاناً أعلى من الأمير، فتدخل الدهشة والحيرة نفس ابن كمال، ويتساءل: لماذا لم يمنعه أحد؟! ولماذا رضي الأمير بهذا الأمر؟! وهمس إلى بعض رفقائه: من هذا الذي تصدّر على مثل هذا الأمير؟!.
فأخبره: إن هذا عالم، يقال له: المولى لطفي.
ولكن ابن كمال لم يقتنع بهذا الجواب، فهو لا يزال يزن الأمور بميزان مادّيّ بحتٍ، ولذا فقد سأل رفيقه أيضاً: كم وظيفته؟ أي ما مقدار ما يتقاضاه من الأجر؟ فأجابه رفيقه: ثلاثون درهماً. ويدهش دهشة كبيرةً، لهذه المكانة التي أتيحت لهذا الرجل؛ إذ كيف يقدّم على الأمير ووظيفته بهذا المقدار الضّئيل؟
ولكن رفيقه بيّن له حقيقة الأمر، فقال:
العلماء معظّمون لعلمهم، فإنه لو تأخّر لم يرض بذلك الأمير ولا الوزير.