للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومما يدلّ على اهتمامه بالاستشهاد بالقرآن وعنايته به، استدراكه أيضاً على التفتازاني حين نفى وجود التعبير عن الغائب أو المخاطب بلفظ الجمع المتكلم، وذلك في قوله: "وقد كثر في الواحد من المتكلم لفظ الجمع تعظيماً له، لعدّهم المعظّم كالجماعة، ولم يجيء ذلك للغائب والمخاطب في الكلام القديم، وإنما هو استعمال المولّدين ... ".

حيث قال المؤلف بعد إيراده هذا القول -: "وفيه نظر؛ لأنه قد جاء ذلك للغائب والمخاطب أيضاً في الكلام القديم" ومثّل للغائب بقوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} (١) فقد نقل عن البيضاوي في تفسير هذه الآية: "أي قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذكر الله لتعظيم أمره، والإشعار بأن قضاءه قضاء الله تعالى، وجمع الضمير الثاني للتعظيم".

ومثّل للمخاطب بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا رَاعِنَا..} (٢) في قراءة من جمع لفظ (راعونا) ونقل ذلك عن الزمخشري فقال: "وأما الثاني فقد قال صاحب الكشاف في تفسير قوله تعالى: {لا تقُولُوا راعِنَا} وقرأ ابن مسعود (راعونا) على أنهم كانوا يخاطبونه بلفظ الجمع للتوقير".

٥- وانتقد التفتازاني في شرحه للتلخيص حين قال: "لأنا نعلم من إطلاقاتهم واعتباراتهم، أن الالتفات هو انتقال الكلام من أسلوب من التكلم والخطاب والغيبة، إلى أسلوب آخر غير ما يترقبه المخاطب؛ ليفيد تطرئةً لنشاطه، وإيقاظاً في إصغائه".

فقال: "ولما عرفت أن فائدة التطرئة والإيقاظ مدارها على نقل الكلام من أسلوب إلى آخر مطلقاً، فقد وقفت على ما في كلام الفاضل التفتازاني.... من الخلل، حيث اعتبر في ترتّب الفائدة المذكورة قيداً في الأسلوب المنقول إليه، لا دخل له فيه".


(١) سورة الأحزاب آية: ٣٦.
(٢) سورة البقرة آية: ١٠٤.