للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومنه الالتفات، فإنه تغيير لأسلوب الكلام بنقله من إحدى الصيغ المذكورة إلى الأخرى، بشرط أن يكون الكلام بعد النقل مع من كان قبله، على ما تقدم بيانه. فلا التفات في قوله تعالى: {ثُمَّ تولَّيْتُمْ إلاّ قَلِيْلاً مِنْكُمْ} (١) لأن الكلام قبله مع أسلاف المخاطبين به، نعم هو على طرزه وطريقته، ولذلك قال صاحب الكشاف: " {ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ} على طريقة الالتفات" فإن قلت: هلاّ يجدي نفعاً اعتبار التغلب الذي ذكره البيضاوي حيث قال في تفسيره: "ولعلّ الخطاب مع الموجودين منهم في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن قبلهم على التغليب"؟ قلت:

لا، لأنّ اعتباره لا يحقق الشرط المذكور، لأنّ الكلام قبل النّقل مع البعض، وبعده مع الكل حينئذٍ، والكلّ غير البعض.

وقد نبّه على هذا صاحب الكشف، حيث قال في شرح القول المذكور لصاحب الكشاف: "وهو كذلك سواء حمل على تغليب الموجودين في عصره عليه الصلاة والسلام، أو لا" وكلام صاحب المفتاح خلو عن اعتبار هذا الشرط في الالتفات، والشارح الفاضل لم يتعرض له في شرحه.

وأمّا الشرط الآخر المذكور في كتب القوم، وهو أن يكون التعبير الثاني على خلاف مقتضى الظاهر، واعتباره كيلا يدخل في حدّ الالتفات أشياء ليست منه، منها: أنا زيد وأنت عمرو، ونحن رجال وأنتم رجال، وأنت الذي فعل كذا، و:

نَحْنُ اللَّذُوْنَ صَبَّحُوا الصَّبَاحَا

ونحو ذلك ممّا عبّر عن معنى واحد، تارة بضمير المتكلم أو المخاطب، وتارة بالاسم المظهر أو ضمير الغائب.


(١) من سورة البقرة آية: (٨٣) والآية بتمامها {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرائيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلاً مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ} .