للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

التفاتاً، وهذا بناءً على أنّ كلاً من المتكلم والخطاب والغيبة، إذا كان مقتضى الظاهر فعدل عنه (١) إلى الآخر فهو التفات عنده، قلت: نعم، أثبت فيه التفاتاً على خلاف ما عليه الجمهور، ومع ذلك لم ينكر ثبوت الالتفات إذا نقل الكلام عن أسلوب هو خلاف مقتضى المقام، إلى أسلوب هو مقتضاه ولذلك أثبت التفاتاً آخر في قوله: "وذلك من نبأ جاءني". فظهر أن المعتبر في الالتفات عنده -أيضاَ- الإخراج على خلاف الظاهر بحسب أسلوب الكلام، لا بحسب اقتضاء المقام، كما هو السابق إلى الفهم من النبأ المذكور آنفاً، إلاّ أنّه اكتفى بالعدول عن الأسلوب المتوقع، وقال: يتحقق الشرط المذكور بذلك، والجمهور على أنه لابد من العدول عن أسلوب محقّق.

فإن قلت أليس مقتضى المقام ينتظم مقتضى الكلام؟ فما هو على خلاف مقتضى أسلوبه يكون على خلاف مقتضى المقام أيضاً، قلت: كذلك إلاّ أن مقتضى الظاهر في مصطلح أهل هذا الفن ما يقتضيه ظاهر المقام قبل الشروع في الكلام، ومن خلافه خلاف ذلك فلا ينتضمان ما يحدث بعد الشروع فيه، باختيار أسلوب من الحال، وإنّما لم يعتبروا الحادث بعد الشروع فيه، لأنّه قد يكون مخالفاً للقديم، كما إذا كان المقام مقام الخطاب، وشرع في الكلام على أسلوب الغيبة، وقد مرّ مثاله من التنزيل، فلو اعتبر في مثل ذلك الحادث بعد الشروع يلزم أن يكون الكلام على مقتضى الظاهر من وجه وعلى خلافه من وجه، ولا وجه لترجيح الحادث على القديم، وإسقاطه على حيّز الاعتبار بالكليّة؛ إذ يلزم حينئذٍ أن لا يتحقق مقتضى المقام من جهة الكلام قبل الشروع بل عنده أيضاً، ما لم يتقرر أسلوبه، ولا مجال لأن يقال: أنهم اعتبروا القديم قبل حدوث (٢) المعارض، وأسقطوا [ما] بعده، إذ لا مستند لهذا التفصيل من جهة السلف، كما لا يخفى على من تتبّع وأنصف، وبالتجنب عن التعسف اتّصف.


(١) في (د) : عند.
(٢) في د: فيه حدوث المعارض وأسقطوه بعده.