للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تَجْهَلُونَ} (١) أما وجه الظنّ فهو أن الاسم الظاهر غائب فلما عدل عنه إلى الخطاب في تجهلون تحقق الالتفات، وأمّا أنه ليس منه فلأنّ في عبارة القوم [جهتا غيبة] وخطاب؛ وذلك لأنّها اسم ظاهر غائب وقد حمل على {أَنْتُمْ} فصار عبارة عن المخاطب، ثم إنّه وصف {تَجْهَلُوْنَ} اعتباراً لجانب خطابه المستفاد من حمله على {أَنْتُمْ} (٢) وترجيحاً له على جانب غيبته الثابت في نفسه؛ لأن الخطاب أشرف وأدل وجانب المعنى أقوى وأكمل، فهو بالحقيقة اعتبار لجانب المعنى، وتغليب له على جهة اللفظ، فإنّ الغيبة في لفظ (القوم) ومعناه الخطاب، وبهذا القدر من الاعتبار لا يتغير الأسلوب، ولا يتحقق النقل من طريق إلى آخر، وعلى هذا القياس قول علي رضي الله عنه: "أنا الَّذي سمّتْنِي أمِّي حَيْدَرَة".

قال المرزوقي في شرح قول الحماسة:

[وَإِنَّا] لَقَوْمٌ مَا نَرَى القَتْلَ سُبَّةً

إِذا مَا رَأَتْهُ عَامِرٌ وَسَلُوْلُ

"كان الوجه أن يقول: ما يرون القتل سبَّةً؛ حتى يرجع الضمير من صفة القوم إليه ولا تَعْرى منه، لكنّه لما علم أن المراد بالقوم هم قال: ما نرى، وقد جاء في الصلة مثل هذا وهو فيه أفظع، قال:

أَنَا الَّذِي سَمَّتْنِي أُمِّيْ حَيْدَرَهْ

أَكِيْلُكُمْ بِالسَّيْفِ كَيْلَ السَّنْدَرَهْ

والوجه سمّته حتى لا تعرى الصلة من ضمير الموصول، قال أبو عثمان

المازني: لولا صحة مورده وتكرره لرددته» والشريف الفاضل لغفوله عمّا قررناه قال في شرحه للمفتاح: «لا يبعد أن يجعل مثل: أنا الذي سمّتني أُمِّي حيدرة، وأنت الذي أخلفتني، ونحن قوم فعلنا، وأنتم قوم تجهلون - من باب الالتفات من الغيبة إلى التكلم أو الخطاب".


(١) آية: ٥٥ من سورة النمل. وورد في النسختين (وأنتم) وهو خطأ.
(٢) ساقط من (د) .