ومن ههنا وما تقدم بيانه تبيّن أنّ كلاً من تغيير الأسلوب والنّقل عن صيغة إلى أخرى - أعمّ من الآخر من وجهٍ؛ ولذلك جمعنا بينهما في تفسير الالتفات، وظهر لك شعبة أخرى لتلوين الخطاب، وهي: ما يوجد فيه تغيير الأسلوب دون النّقل.
فاعلم أن أنواع الالتفات بحسب النّقل من كل واحدة من الصيغ الثلاث إلى إحدى الأخريين ستّة، وقد أفصح عن هذا صاحب المفتاح بقوله:"بل الحكاية والخطاب والغيبة ثلاثتها ينقل كل واحد منها إلى الآخر، ويسمّى هذا النقل التفاتاً عند علماء علم المعاني " وإن قصر عنه بيان صاحب الكشاف بقوله: "هذا يسمّى الالتفات في علم البيان، وقد يكون من الغيبة إلى الخطاب ومن الخطاب إلى الغيبة ومن الغيبة إلى التكلم" حيث اقتصر على ذكر أنواعه الثلاثة، وقوله:"في علم البيان"لا ينافي قول صاحب المفتاح "عند علماء المعاني"لأنه أراد بالبيان علم البلاغة الشامل للمعاني والبيان، وإنما كان الالتفات من علم المعاني لأن ما يترتب عليه من الفوائد من جملة خواصّ التراكيب التي يبحث عنها في العلم المذكور.
وأمّا ما قيل:"يُبحث عنه في علمي البلاغة والبديع، أمّا في المعاني فباعتبار كونه على خلاف مقتضى الظاهر، وأمّا في البيان فباعتبار أنَّه إيراد لمعنى واحد في طرق مختلفة في الدلالة عليه جلاء، [وخفاء](١) وبهذين الاعتبارين يفيد الكلام حسناً ذاتياً للبلاغة، وأمّا في البديع فمن حيث إنّ فيه جمعاً بين صورٍ متقابلة في معنى واحد فكان من محسّناته المعنوية " - ففيه نظر؛ أمّا أوّلاً: فلأن مجرد كونه على خلاف مقتضى الظاهر لا يكفي في دخوله في علم المعاني، وهذا ظاهر عند من له أدنى تأمل في حدّ العلم المذكور.