إنَّ لِـ لاَ إله إلا الله - هذه الكلمة العظيمة - مدلولاً لا بدّ من فهمه، ومعنىً لا بدّ من ضبطه، إذ غيرُ نافع بإجماع أهل العلم النطقُ بها من غير فهم لمعناها، ولا عمل بما تقتضيه، كما قال الله - سبحانه -: {وَلاَ يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلاَّ مَن شَهِدَ بِالحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} ، ومعنى الآية كما قال أهل التفسير؛ أي: إلا من شهد بلا إله إلا الله وهم يعلمون بقلوبهم معنى ما نطقوا به بألسنتهم، إذ إنَّ الشهادة تقتضي العلم بالمشهود به، فلو كانت عن جهل لم تكن شهادة، وتقتضي الصدق، وتقتضي العمل بذلك، وبهذا يتبيّن أنَّه لا بدّ في هذه الكلمة من العلم بها مع العمل والصدق، فبالعلم ينجو العبد من طريقة النصارى الذين يعملون بلا علم، وبالعمل ينجو من طريق اليهود الذين يعلمون ولا يعملون، وبالصدق ينجو من طريقة المنافقين الذين يُظهرون ما لا يُبطنون، ويكون بذلك من أهل صراط الله المستقيم، من الذين أنعم الله عليهم، غير المغضوب عليهم ولا الضالين.
والحاصل أنَّ لا إله إلا الله لا تنفع إلا من عرف مدلولها نفياً وإثباتاً، واعتقد ذلك وعمل به، أما من قالها وعمل بها ظاهراً من غير اعتقاد فهو المنافق، وأما من قالها وعمل بضدّها وخلافها من الشرك فهو الكافر، وكذلك من قالها وارتدّ عن الإسلام بإنكار شيء من لوازمها وحقوقها فإنَّها لا تنفعه ولو قالها ألف مرّة، وكذلك من قالها وهو يصرف أنواعاً من العبادة لغير الله كالدعاء، والذبح، والنذر، والاستغاثة، والتوكل، والإنابة، والرجاء، والخوف والمحبة، ونحو ذلك.. ... فمن صرفَ مما لا يصلحُ إلا لله من العبادات لغير الله فهو مشرك بالله العظيم ولو نطق بلا إله إلا الله؛ إذ لم يعمل بما تقتضيه من التوحيد والإخلاص الذي هو معنى ومدلول هذه الكلمة العظيمة.