للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الإيمان وأيدهم بروح منه، وسمّاهم المسلمين مِن قبل أن يخلقهم، وذكرهم قبل أن يذكروه، وأعطاهم قبل أن يسألوه، وتحبّب إليهم بنعمه مع غناه، وتبغضّهم إليه بالمعاصي وفقرهم إليه، ومع هذا كلِّه فاتّخذ لهم داراً، وأعدّ لهم فيها من كلِّ ما تشتهيه الأنفسُ وتلَذُّ الأعين، وملأها من جميع الخيرات، وأودعها من النَّعيم والحَبرة والسرور والبهجة ما لا عينٌ رأت ولا أذنٌ سمعت ولا خطر على قلب بشر، ثم أرسل إليهم الرّسل يدعونهم إليها، ثم يسَّر لهم الأسباب التي توصلهم إليها وأعانهم عليها، ورضي منهم باليسير في هذه المدّةِ القصيرة جدًّا بالإضافة إلى بقاء دار النعيم، وضَمِن لهم إن أحسنوا أن يثيبهم بالحسنة عشراً، وإن أساءوا واستغفروا أن يغفر لهم، ووعدهم أن يمحو ما جَنَوه من السيّئات بما يفعلونه بعدها من الحسنات وذكّرهم بآلائه، وتعرَّف إليهم بأسمائه، وأمرهم بما أمرهم به رحمة منه بهم وإحساناً، لا حاجة منه إليهم، ونهاهم عمّا نهاهم عنه حمايةً وصيانةً لهم لا بُخلاً منه عليهم، وخاطبهم بألطف خطاب وأحلاه، ونصحهم بأحسن النصائح، ووصّاهم بأكمل الوصايا، وأمرهم بأشرف الخصال، ونهاهم عن أقبح الأقوال والأعمال، وصرّف لهم الآيات، وضرب لهم الأمثال، ووسع لهم طرقَ العلم به ومعرفته، وفتح لهم أبواب الهداية، وعرّفهم الأسباب التي تدنيهم مِن رضاه، وتبعدهم عن غضبه، ويخاطبهم بألطف الخطاب، ويسمّيهم بأحسن أسمائهم، كقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} ، {وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعاً أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ} (١) {يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ} (٢) {قُلْ لِعِبَادِي} (٣) {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِي} (٤) فيخاطبهم بخطاب الوِداد والمحبّة والتلطّف، كقوله: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا


(١) سورة: إبراهيم، الآية: (٣٤) .
(٢) سورة: النور، الآية: (٣١) .
(٣) سورة: الزمر، الآية: (٥٣) .
(٤) سورة: إبراهيم، الآية: (٣١) .