للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وبه يتبين معنى الحديث المتقدم: "ما أنعم الله على عبد نعمة فقال الحمد لله إلا كان ما أعطى أكثر مما أخذ"فالعبد أعطى الحمد، وحمده نفسه نعمة من الله عليه، ولولا توفيقُ الله وإعانتُه لما قام بحمده، فنعمة الله على عبده بتوفيقه للحمد أفضل من نعمة الله عليه بالصحة والعافية والمال ونحو ذلك، والكلُّ نعمة الله، قال ابن القيم - رحمه الله -: "فنعمة الشكر أجَلُّ من نعمة المال والجاه والولد والزوجة ونحوها". اهـ.

ولهذا فإنَّ حمد الله عز وجل وشكره على نعمه هو بحَدِّ ذاته نعمةٌ عظيمةٌ تستوجب حمداً آخر وشكراً متجدداً.

روى ابن أبي الدنيا في كتاب الشكر عن بكر بن عبد الله قال: "ما قال عبد قط الحمد لله إلا وجبت عليه نعمة بقوله: الحمد لله فما جزاء تلك النعمة؟ جزاؤها أن يقول الحمد لله فجاءت أخرى، ولا تنفد نعم الله عز وجل".

ولذا قال الإمام الشافعي - رحمه الله - في حمد الله: "الحمد لله الذي لا تؤدى شكر نعمة من نعمه إلا بنعمة حادثة توجب على مؤديها شكره بها".

أي: إنَّ العبد إذا حمد الله فهذه نعمة أخرى حادثة تستوجب حمداً آخر.

قال ابن أبي الدنيا: أنشدني محمود الورّاق:

إذا كان شُكري نعمةَ الله نعمةً

عَلَيَّ له في مثلِها يجبُ الشُّكرُ

فكيف وقوعُ الشكرِ إلاَّ بفضله

وإن طالت الأيامُ واتَّصَلَ العُمْرُ

إذا مسَّ بالسرَّاء عَمّ سرورُها

وإذا مسَّ بالضرَّاء أعقَبها الأجْرُ

وما منهما إلاَّ فيه مِنّةٌ

تَضِيقُ بهَا الأَوْهامُ والبِرُّ والبحرُ

وقال آخر في المعنى نفسه:

لو كلُّ جارحةٍ مِنِّي لها لغةٌ

تُثني عليكَ بما أوْلَيْتَ من حَسَنِ

لكان ما زاد شكري إذ شكرتُ به

إليك أبلغَ في الإحسانِ والمِنَنِ