فهذه الآيات كما ذكر أهل العلم لاتدل دلالة صريحة على إثبات رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لربه وإليك أقوالهم:
قال الإمام ابن خزيمة عن الاستدلال بقوله تعالى {لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى} : "وليس هذا التأويل الذي تأولوه لهذه الآية بالبيِّن، وفيه نظر؛ لأن الله إنما أخبر في هذه الآية أنه رأى من أيات ربه الكبرى. ولم يُعلم الله في هذه الآية أنه رأى ربه - جل وعلا - وآيات ربنا ليس هو ربنا - جل وعلا - فتفهموا لا تغالطوا في تأويل هذه الآية".
قال القاضي عياض:"وأما وجوبه لنبينا صلى الله عليه وسلم والقول: إنه رآه بعينه، فليس فيه قاطع أيضًا ولا نص، إذ المعول على آية النجم والتنازع فيهما مأثور والاحتمال لهما ممكن".
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:"ولا في الكتاب والسنة ما يدل على ذلك".
وقال أيضًا:"وقد قال تعالى {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا}[الإسراء ١] ، ولو كان قد أراه نفسه بعينه لكان ذكر ذلك أولى.
وكذلك قوله:{أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى}[النجم ١٢] ، {لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى}[النجم ١٨] ، ولو كان رآه بعينه لكان ذكر ذلك أولى.
وفي الصحيحين عن ابن عباس في قوله {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ}[الإسراء ٦٠] ، قال: هي رؤيا عين أريها رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به، وهذه رؤيا الآيات لأنه أخبر الناس بما رآه بعينه ليلة المعراج، فكان ذلك فتنة لهم، حيث صدقه قوم وكذبه قوم، ولم يخبرهم أنه رأى ربه بعينه، وليس في شئ من أحاديث المعراج الثابتة ذكر ذلك، ولو كان قد وقع ذلك لذكره كما ذكر ما دونه".