للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فمن لم يعط الحروف حقها من المدّ إن كانت ممدودة، ومن التمكين إن كانت مُمكّنة، ومن الهمز إن كانت مهموزة، ومن الإدغام إن كانت مدغمة، ومن الإظهار إن كانت مظهرة، ومن الإخفاء إن كانت مخفية، ومن الحركة إن كانت محركة، ومن السكون إن كانت مسكّنة ... إلخ، مع قدرته على ذلك، لم يكن ماهراً بالقرآن، وأما من كان لا يطاوعه لسانه مع اجتهاده وحرصه على الوصول إلى مرتبة الماهر فإن الله أعدله من الأجر على قدر اجتهاده إذ لا يكلف الله نفساً إلا وسعها، فمن رام مصاحبة السفرة الكرام البررة وجب عليه أن يقيم حروفه ويحرص على أدائها سالمة من الخطأ والزلل كما يقيم حدوده.

رابعاً:

ما ورد من النهي عن الهذرمة وهي الإسراع بالقراءة إلى الحد الذي لا يمكّن القارئ من ضبط أحكام القراءة، ولا يمكّن السامع من التدبر، ومثلها الهذّ، فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: لا تنثروه نثر الدقل (١) ، ولا تهذّوه هذّ الشعر، قفوا عند عجائبه وحركوا به القلوب، ولا يكن هم أحدكم آخر السورة (٢) .

وعن أبي وائل قال جاء رجل إلى عبد الله بن مسعود فقال: قرأت المفصل البارحة فقال: ((هذّا كهذّ الشعر، إنا قد سمعنا القراءة، وإني لأحفظ القُرناء التي كان يقرأ بهنّ النبي صلى الله عليه وسلم: ثماني عشرة سورة من المفصل وسورتين من آل حم)) (٣) .

ولذلك ورد النهي عن ختم القرآن في أقل من سبع وفي رواية أقل من ثلاث كما جاء في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص.

فإذا نهي عن الهذرمة والهذّ وجب الأخذ بضدهما وهو تبيين الحروف وإخراجها من مخارجها وإعطائها حقها على الصفة المتلقاة من أئمة القراءة الناقلين لها بالأسانيد المتصلة سواء كان ذلك في ترتيل، أو تدوير، أو حدر.

فذو الحذق معط للحروف حقوقها


(١) الدقل هو رديء التمر ويابسه وما ليس له اسم خاص فتراه ليبسه ورداءته لا يجتمع ويكون منثوراً. اللسان: ١١/٢٤٦
(٢) تفسير البغوي: ٤/٤٠٧.
(٣) فتح الباري: ٩/٨٨.