وكانت هذه الزيادات واضحة عند متقدمي أهل الحديث لمعرفتهم بالشيوخ والطبقات، ولمّا ضَعُفت الهمم فيمن أتى بعدهم أحتيج إلى معرفتها ودراستها والتنبيه إليها، وإفرادها بالتأليف، وقد جاء هذا البحث في دراسة زيادات واحد من هؤلاء الرواة، وهو: الإمام القَطِيعي، ليسهم في تعريف زيادات الرواة، واستنباط أنواعها، ومعرفة درجتها، وضوابطها، وكان ذلك من أسباب اختيار هذا الموضوع، إضافة إلى تأكيد ما يلي:
١- منزلة فن زيادات رواة الكتب، وهو مما يستدرك على من ألف في مصطلح الحديث.
٢- الحاجة إلى معرفة أصحاب الزيادات ومروياتهم، ولا سيما أنهم – وإن كانوا ثقاتاً في أنفسهم- إلا أنهم ليسوا من النقاد الجهابذة الذين ينتقون مروياتهم، بل شأن أكثرهم العناية بأداء ما سمعوا -سواء أكان صحيحاً أم ضعيفاً- بل قد تكون أكثر زيادات بعضهم موضوعة كالقطِيعي، حيث إنهم يرون براءة الذمة بالإسناد، والعهدة على من رووا عنه من شيوخهم.
٣- أثر هذا الفن في تمييز زيادات رواة الكتب من مرويات مؤلفيها، ولا سيما من كان معروفاً بالانتقاء حيث يؤدي خفاؤها إلى الوهم في نسبة الزيادات - مع ضعفها- إليهم، وقد وهم العلامة الهيثمي – مع جلالة قدره – فعزى حديثاً إلى مسند الإمام أحمد، وهو من زيادات القَطِيعي عليه، ومن هو دون الهيثمي من باب أولى، ويؤدي هذا إلى عدم الدقة في بيان مكانة المصادر، كما قد ينسب أهل الأهواء الحديث الموضوع من هذه الزيادات إلى الأئمة أنفسهم فتحصل الشبهة لمن لا علم له بها، وقد دحض شيخ الإسلام ابن تيمية شبهاتهم في عدة مواضع من كتبه، ومنه قوله:"ليس هذا الحديث في مسند أحمد، ولا رواه أحمد لا في المسند ولا في الفضائل ... وإنما هو من زيادات القَطِيعي التي فيها من الكذب الموضوع ما اتفق أهل العلم على أنه كذب موضوع "(١) .