للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يعنى أن عيسى رسول من رسل الله تعالى الذين أرسلوا لهداية البشرية ودعوتها إلى توحيد الله وعبادته، وأمه صديقة من فضليات النساء، وحقيقتهما مساوية لحقيقة غيرهما من أفراد نوعهما وجنسهما بدليل أنهما كان يأكلان الطعام، وكل من يأكل الطعام فهو مفتقر إلى ما يقيم بنيته ويمد حياته، إلى جانب أن أكل الطعام يستلزم الحاجة إلى دفع الفضلات، وعليه فلا يمكن أن يكون ربا خالقا، ولا ينبغي أن يكون ربا معبودا٠

قال الشوكاني في تفسيره للآية: {مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ} ، أي: هو مقصور على الرسالة لا يجاوزها كما زعمتم، وجملة {قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ} صفة لرسول، أي ما هو إلا رسول من جنس الرسل الذين خلوا من قبله، وما وقع منه من المعجزات لا يوجب كونه إلها، فقد كان لمن قبله من الرسل مثلها، فإن الله أحيا العصا في يد موسى، وخلق آدم من غير أب، فكيف جعلتم إحياء عيسى للموتى ووجوده من غير أب يوجبان كونه إلها، فإن كان كما تزعمون إلها لذلك، فمن قبله من الرسل الذين جاءوا بمثل ما جاء به آلهة، وأنتم لا تقولون بذلك ٠ قوله: {وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ} عطف على المسيح، أي: وما أمه إلا صديقة، وذلك لا يستلزم الإلهية لها، بل هي كسائر من يتصف بهذا الوصف من النساء٠ قوله: {كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ} استئناف يتضمن التقرير لما أشير إليه من أنهما كسائر أفراد البشر: أي من كان يأكل الطعام كسائر المخلوقين فليس برب، بل هو عبد مربوب ولدته النساء، فمتى يصلح لأن يكون ربا" ٠