للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال ابن القيم: "أكمل الخلق أكملهم عبودية وأعظمهم شهودا لفقره وضرورته وحاجته إلى ربه وعدم استغنائه عنه طرفة عين، ولهذا كان من دعائه صلى الله عليه وسلم "أصلح لي شأني كله، ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين، ولا إلى أحد من خلقك" (١) ، وكان يدعو:"يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك" (٢) ، يعلم صلى الله عليه وسلم أن قلبه بيد الرحمن عز وجل لا يملك منه شيئاً، وأن الله سبحانه يصرفه كما يشاء، وهو يتلو قوله تعالى: {وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً} (٣) ، فضرورته صلى الله عليه وسلم إلى ربه وفاقته إليه بحسب معرفته به، وحسب قربه منه ومنزلته عنده..، ولهذا كان أقرب الخلق إلى الله وسيلة وأعظمهم جاها وأرفعهم عنده منزلة لتكميله مقام العبودية والفقر إلى ربه ....، وذكره الله سبحانه بسمة العبودية في أشرف مقاماته، مقام الإسراء، ومقام الدعوة، ومقام التحدي فقال: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً} (٤) ٠وقال: {وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ} (٥) ٠ وفى حديث الشفاعة:"أن المسيح يقول لهم: اذهبوا إلى محمد عبد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر" (٦) ، فنال ذلك المقام بكمال عبوديته لله وبكمال مغفرة الله له" ٠ وللعلامة الشيخ محمد الأمين الشنقيطي – رحمه الله – كلام جميل على هذا الموضوع يحسن إيراد شيئا منه هنا لتتم الفائدة٠ قال وهو يفسر أوائل سورة الحجرات: "مسألتان: الأولى: اعلم أن عدم احترام النبي صلى


(١) أخرجه أبوداود في كتاب الأدب باب ١١ جـ٥ /٣٢٦، وأحمد في مسنده جـ٥ /٤٢.
(٢) أخرجه الترمذي في أبواب الدعوات جـ٩ /٥٠٤، ومسند أحمد جـ٣ /٢٥٧،والسنة لابن ابى عاصم جـ١ /١٠١، والآجرى في الشريعة /٣١٧.
(٣) الإسراء / آية: ٧٤.
(٤) الإسراء / آية:١.
(٥) الجن / آية: ١٩.
(٦) أخرجه البخاري في كتاب التوحيد باب ١٩ جـ١٣/ ٣٩٢، ومسلم كتاب الإيمان باب ٨٤ جـ١ /١٨٠، ١٨١.