قلت: هذا بداية الشر الذي بدأ في ذلك اليوم من تاريخ الاسلام ودعوة صريحة إلى الالحاد وإنكار صفات الباري جل وعلا, ثم تطورت هاتان الفتنتان, حتى أخذتا شكلا آخر من حيث القوة والنشر حتى أصبحتا دين الخليفة وروحه وامتزجتا بعروقه، وهكذا هما في كل يوم في شأن وقوة إلى أن بلغتا أوجهما في سنة ٢١٨، حسب ذكر عمدة المؤرخين الإمام ابن كثير رحمه الله تعالى إذ يقول ١٠: ٢٧٢:"وفي هذه السنة يعني سنة ٢١٨ كتب المأمون إلى نائبه ببغداد إسحاق بن إبراهيم بن مصعب يأمره أن يمتحن القضاة والمحدثين بالقول بخلق القرآن وأن يرسل إليه جماعة منهم وكتب يستحثه في كتاب مطول". قلت: وكتب المأمون كتبا أخرى مماثلة إلى جميع نوابه في جميع البلدان وقد سردها الإمام أبو جعفر محمد بن جرير الطبري في تاريخه تاريخ الأمم والملوك ١٠: ٢٨٤ – ٢٩٢. ومن هنا نستنبط أن هذا المذهب المنكر الذي اتخذه المأمون كان مذهب الدولة الرسمي وكان مؤيدا بعصا السلطان القوية ولم يكن للناس بد من قبولهم إياه وإقبالهم عليه سواء أرضوا أم كرهوا فإذا كان الأمر كذلك فمن ذا الذي يواجه هذه القوة الباطلة وزد على ذلك أن الاكثرية الغالبة ممن كانوا يعيشون للبطون مع انتسابهم إلى العلم كانوا مع المأمون. قال أبو الفداء في نفس الصفحة:"والمقصود أن كتاب المأمون لما ورد بغداد قرئ على الناس وقد عين المأمون جماعة من المحدثين ليحضرهم إليه وهم محمد بن سعد الكاتب"(قلت: صاحب كتاب الطبقات الكبرى ويعتبر كتابه من المراجع الهامة في تاريخ الرجال) , "وأبو مسلم المستملى ويزيد بن هارون ويحي بن معين وأبو خيثمة زهير بن حرب وإسماعيل بن أبي مسعود وأحمد بن الدورقي فبعث بهم المأمون إلى الرقة, قلت: أما يزيد بن هارون فلا وجه لذكره هنا لأنه توفي في السنة السادسة بعد المائتين كما ذكره الحافظ في التقريب ٢: ٣٧٢ إذ يقول: "يزيد بن هارون بن زاذان السلمي مولاهم أبو خالد الواسطي ثقة متقن عابد من التاسعة