للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد سبق أن قلت إن إسحاق بن إبراهيم بن مصعب نائب المأمون ببغداد أمر من قبل المأمون بامتحان القضاة والمحدثين. قال الإمام ابن كثير ١٠: ٢٧٣: "فأحضر إسحاق جماعة من الأئمة وهم أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى وقتيبة وأبو حيان الزيادي وغيرهم كثيرون" ذكرهم ابن كثير. قلت: فامتحنهم واحدا فواحدا ولما انتهت النوبة إلى امتحان أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى فقال له: أتقول إن القرآن مخلوق؟ فقال: القرآن كلام الله لا أزيد على هذا, فقال له: ما تقول في هذه الرقعة؟ - قلت: كانت تلك الرقعة التي كتب فيها بشر بن الوليد إقراره حول مسألة خلق القرآن وكان موافقا لما كان عليه مذهب السلف رضي الله تعالى عنهم وبشر هذا هو بشر بن الوليد الكندي وهو ثقة مأمون ذكره الخطيب في تاريخه ٧: ٧٤- قلت: قال الإمام أحمد مجيباً لإسحاق {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} فقال رجل من المعتزلة: إنه يقول سميع بأُذن وبصير بعين فقال له إسحاق: ما أردت بقولك سميع بصير؟ فقال رحمه الله: أردت منها ما أراده الله منها وهو كما وصف نفسه ولا أزيد على ذلك فكتب جوابات القوم رجلا رجلا وبعث بها إلى المأمون، وكان من الحاضرين من أجاب إلى القول بخلق القرآن مصانعة مكرها لأنهم كانوا يعزلون من لا يجيب عن وظائفه وإن كان له رزق على بيت المال قطع وإن كان مفتيا منع من الإفتاء وإن كان شيخ حديث ردع من الأسماع والأداء.

ووقعت فتنة صماء ومحنة شنعاء وداهية دهياء فلا حول ولا قوة إلا بالله.

قلت: أتعرض أولا لترجمته ثم لوقوفه بتلك الوقفة التاريخية التي تشبه وقفة الصديق رضي الله تعالى في أصحاب الردة, ثم أتعرض لتعريف كتابه العظيم علل الحديث ومعرفة الرجال, ثم الالتماس والرجاء من إمامنا المفدى وقائد مسيرتنا الإسلامية وأب المسلمين بأن يأمر بطبع هذا الكتاب القيم المبارك لرجل عظيم بارع أمام أهل السنة أحمد بن محمد بن حنبل رحمه الله تعالى.