للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفي مجتمع يعجُّ بالمفارقات الطبقية، والاعتبارات الذاتية للألقاب، والسمات الشخصية، والمكانة الاجتماعية، والأصول العرقية، يكون مجتمعًا قابلاً لشتى الأفكار، والمناحي، والاتجاهات.

فمن كل نوع تجد أنموذجًا، وأفرادًا، ولكل شرب تجد صادرًا وواردًا، وخاصة ما يتعلّق بجانب (المداراة) سلوكًا يُتَوصَّل به إلى تحقيق الغاية.

وفي هذا البحث أحاول الوصول - إن شاء الله - إلى شيء من معرفة بعض ما يتعلّق (بالمداراة) بالاستعانة بما ورد في القرآن من آيات، وفي السنّة من أحاديث، وآثار الصحابة، والتابعين. ففي مجموع ذلك ما ينير الطريق للباحث، ويكشف زيوف ما جدّ على مسألة (المداراة) عند المتأخرين الّذين {خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحًا وَءَاخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [التوبة / ١٠٢] .

و (المداراة) سلوك لا يمكن أن يسلم منه إنسان سوي، فربما كان أمرًا يجري منه مجرى الغرائز فيه الَّتِي لا تنتهي عن الطلب حَتَّى تنال إرواءها.

هذا على اعتبار أن حاجات الإنسان ومتطلباته في الحياة الدنيا لا تنتهي، وإن كانت تقلّ وتكثر بين إنسان وآخر وفقًا لدرجة التحمّل، والصبر لديه، وتقييمه لفرص الحياة.

فالوقوف على سلبيات، وإيجابيات (المداراة) يُسَهِّل الانتفاع بما هو صالح، وطرح ما هو فاسد منها، أو الحدّ من الفاسد بترويض النّفس على القناعة بالقليل الصالح عن الكثير الفاسد الَّذي يضر بالدين، والأخلاق والمروءة.

وقد قيل: من ابتغى الخير اتقى الشر.

وقال الباري جلّ وعلا: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً} [الإسراء / ٣٦] .

وأسأل الله السداد.

المبحث الأول

المعنى اللغوي والاصطلاحي للمداراة وبعض مرادفاتها

أولاً: المعنى اللغوي: