قال الإمام ابن كثير:"قال أحمد وكان كلام الأعرابي مما قوى عزمي على ما أنا فيه من الامتناع من ذلك ما يدعونني إليه, فلما اقتربا من جيش الخليفة ونزلوا دونه بمرحلة جاء خادم وهو يمسح دموعه بطرف ثوبه ويقول: يعز علي يا أبا عبد الله أن المأمون قد سل سيفا لم يسله قبل ذلك وأنه يقسم بقرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم: قلت لو صح هذا فهو طامة كبرى لأن الحلف بغير الله شرك, ثم قال الإمام أحمد قيل لي: لئن لم تجبه إلى القول بخلق القرآن ليقتلنك بذلك السيف قال: فجثي الإمام أحمد على ركبتيه ورمق بطرفه إلى السماء وقال: سيدي عز حلمك هذا الفاجر حتى تجرأ على أوليائك بالضرب والقتل اللهم فإن يكن القرآن كلامك غير مخلوق فأكفنا مؤنته, قال: فجاهم الصريخ بموت المأمون في الثلث الأخير من الليل, قلت وقد صح عن المصطفى صلى الله عليه وسلم قوله:"إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره"أو كما قال عليه الصلاة والسلام.
وكان أن شاء الله تعالى الإمام أحمد رحمه الله من أولئك العباد الصالحين الذين أشار إليهم الحديث.
وقال الإمام أحمد:"ففرحنا ثم جاء الخبر بأن المعتصم قد ولي الخلافة وقد انضم إليه أحمد بن أبي دؤاد والأمر شديد فردونا إلى بغداد في سفينة مع بعض الأسارى ونالني منهم أذى كثير". قال الإمام ابن كثير:"وكان في رجليه القيود ومات صاحبه محمد بن نوح في الطريق وصلى عليه أحمد فلما رجع أحمد إلى بغداد دخلها في رمضان فأودع في السجن نحوا من ثمانية وعشرين شهرا وقيل نيفا وثلاثين شهرا ثم أخرج إلى الضرب بين يدي المعتصم. وقد كان أحمد وهو في السجن هو الذي يصلي في أهل السجن والقيود في رجليه.