مرحلة العلمانية المعتدلة، وهي مرحلة القرنين السابع عشر والثامن عشر - وهى وإن اعتبر الدين فيها أمراً شخصياً - لا شأن للدولة به إلا أن على الدولة - مع ذلك - أن تحمي الكنيسة، وبالأخص في جباية ضرائبها. والتفكير العلماني في هذه المرحلة وإن طالب بتأكيد الفصل بين الدولة والكنيسة إلا أنه لم يسلب المسيحية كدين من كل قيمة لها. وإن كان ينكر فيها بعض تعاليمها، ويطالب بإخضاع تعاليم المسيحية إلى العقل، وإلى مبادئ الطبيعة مما نشأ عنه المذهب المعروف باسم مذهب الربوبيين، وهو مذهب يعترف بوجود الله كأصل للعالم، ولكنه ينكر الإعجاز والوحي وتدخل الله في العالم.
ومن دعاة هذه المرحلة: فولتير (١٦٩٤-١٧١٣م) في فرنسا، وشفتسيري (١٦٧١-١٧١٣م) في إنجلترا، وليسنج (١٧٢٩-١٧٨١م) في ألمانيا، والفيلسوف الإنجليزي جون لوك (١٦٣٢-١٧١٤م) ، وهوبز (١٥٨٨-١٦٧٩م) ، وديكارت، وبيكون، وسبينوزا، وجان جاك روسو، وأضرابهم.
المرحلة أو (الصورة) الثانية:
وهي مرحلة العهد المادي أو ما يسمى بالثورة العلمانية، وهى مرحلة القرن التاسع عشر ومابعده، وعلمانية هذه المرحلة هى مرحلة إلغاء الدين - أي دين إلغاءً كلياً وعدم الإيمان بالأمور الغيبية - وليس فصلاً بينه وبينه الدولة كما هو المفهوم في المرحلة الأولى، واعتبار أن الموجود الحقيقي هو المحسوس فقط، والدافع عليها هو الاستئثار بالسلطة، ولذلك كانت العلمانية غير مساوية لمفهوم الفصل بين الكنيسة والدولة، بل كانت إلغاء للدين كمقدمة ضرورية إلى السلطة المنفردة التي هى سلطة جماعة العمل أو المجتمع أو الدولة أو الحزب حسب تحديد بعض هؤلاء الشيوعيين اليساريين.
ومن دعاة هذه المرحلة: هيجيل وفيرباخ وكارل ماركس وأضرابهم.