الأوّل: أن الإمام أبا إسحاق الشاطبي قد سبق من كتب في علوم القرآن - وتعرض للمكي والمدني - إلى دراسة هذه المسألة.
ومن كتب في هذا المبحث فهو تبع للإمام أبي إسحاق الشاطبي، على أن أهمّ كتابين متداولين في علوم القرآن لم يتعرض مؤلّفاهما لهذا المبحث بهذه الطريقة التي سلكها أبو إسحاق.
الثاني: أن هذا المبحث بهذا النحو الذي طرقه الإمام أبو إسحاق الشاطبي فيه أحسن رد على أولئك الملاحدة الذين زعموا أن لا صلة بين المكي والمدني في القرآن الكريم.
وفي ظني أن الذي رد على هذه الشبهة وفندها لو تنبه لكلام الإمام أبي إسحاق الشاطبي لنقله؛ لأن فيه البرهان الدامغ المزهق لشبهة أولئك الملاحدة.
المبحث السابع:
مع الإمام أبي إسحاق الشاطبي في أن تفسير القرآن الكريم يتبع فيه المفسر التوسط والاعتدال، ويجتنب فيه الإفراط والتفريط
قال أبو إسحاق عند هذه المسألة:"ربما أخذ تفسير القرآن على التوسط والاعتدال، وعليه أكثر السلف المتقدمين، بل ذلك شأنهم، وبه كانوا أفقه الناس فيه، وأعلم العلماء بمقاصده وبواطنه.
وربما أخذ على أحد الطرفين الخارجين عن الاعتدال: إما على الإفراط وإما على التفريط، وكلا طرفي قصد الأمور ذميم".
ثم بيّن رحمه الله تعالى أن الذين فسروه على التفريط هم الذين قصروا في فهم اللسان الذي جاء به، وهو العربية، ومن هؤلاء الباطنية وغيرهم.
ثم قال:"ولا إشكال في اطِّراح التعويل على هؤلاء".
ثم وضَّح رحمه الله تعالى أن الذين اتبعوا الإفراط في تفسير القرآن هم الذين دققوا في الألفاظ المفردة والمعاني البلاغية، ولم ينظروا إلى المعنى الذي سيق الكلام من أجله؛ لأنّ هذه الأشياء إنما تبحث بقدر ما تؤدي به المعاني الأصلية، المقصودة من سياق الكلام.