ولو اتُّبع التوسط والاعتدال لما وجدنا بين كتب التفسير ما يشبه كتاب علوم مدرسي فيه صور الحيوانات والنباتات، ثم يدعي صاحبه أن هذا هو مقصود الله من إنزال كتابه، وأن جميع علماء التفسير المتقدمين أخطأوا عندما لم يظهروا هذه العلوم النباتية الحيوانية؟.
ولو اتُّبع التوسط والاعتدال لما وجدنا بين المفسرين لهذا الكتاب الكريم من يقع في بدعة الاعتزال، والإرجاء، والتشبيه، والتكفير، وغيرها من البدع، ثم يفسر القرآن على ما يوافق بدعته، ويزعم أن هذا هو مقصود الله من كلامه.
ولو اتُّبع التوسط والاعتدال في تفسير القرآن الكريم لسلم تراثنا التفسيري من خزعبلات بني إسرائيل التي قُصد بها إفساد فهمنا لكتاب الله تعالى.
ولو اتُّبع التوسط والاعتدال في تفسير القرآن الكريم وتطبيقه لما وصلنا إلى هذه الحال - التي نحن عليها اليوم - من الانحطاط والتبعية لأمم الكفر من يهود ونصارى وغيرهم.
المبحث الثامن:
مع الإمام أبي إسحاق الشاطبي في بيان المقصود بالرأي المذموم والرأي الممدوح في تفسير القرآن الكريم
قال أبو إسحاق رحمه الله تعالى:"إعمال الرأي في القرآن جاء ذمه، وجاء أيض-اما يقتضي إعماله، وحسبك من ذلك ما نقل عن الصدِّيق، فإنه نقل عنه أنه قال - وقد سُئل في شيء من القرآن -: "أي سماء تظلني وأي أرض تقلني إن أنا قلت في كتاب الله ما لا أعلم ... ". ثم سُئل عن الكلالة المذكورة في القرآن فقال: "أقول فيها برأيي، فإن كان صوابا فمن الله، وإن كان خطأ فمني ومن الشيطان، الكلالة كذا وكذا".
فهذان قولان اقتضيا إعمال الرأي وتركه في القرآن، وهما لايجتمعان".
ثم أجاب أبو إسحاق عما رُوي عن أبي بكر - رضي الله عنه - مما يقتضي إعمال الرأي وتركه فقال: "والقول فيه أن الرأي ضربان: أحدهما: جار على موافقة كلام العرب، وموافقة الكتاب والسنة، فهذا لا يمكن إهمال مثله لعالم بهما لأمور: