للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهذا النوع من الترجمة، وإن جاز في كلام الناس، فإنه يَحرُم في كلام الله القرآن الكريم؛ لأمورٍ كثيرة يطول شرحُها، منها: أنها لن تسلم من الخطأ والبعد عن المراد. ومنها: أن هذه الترجمة تؤدي إلى ضياع الأصل، كما ضاعت أصول الكتب المتقدمة. ومنها: أن ذلك يؤدي إلى انصراف الناس عن كتاب ربهم مكتفين بما يزعمونه ترجمة للقرآن. ومنها: ضعف لغة القرآن والقضاء عليها في النهاية. ومنها: وجود الاختلاف بين المسلمين، فكلُّ دولة تضع ترجمة للقرآن وتزعمها أفضل الموجود، وهكذا الدولة الأخرى، فيحصل الاختلاف بين أمة محمد صلى الله عليه وسلم، ونكونُ بهذا قد خالفنا ما أمرنا الله به ونهانا، حيث قال: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا} (١) ، وقال: {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} (٢) . ومنها: أن نصوص علماء المذاهب تدلُّ على تحريم هذا النوع من الترجمة. قال الإمام الألوسي: "وفي معراج الدراية: مَن تعمّد قراءة القرآن

أو كتابته بالفارسية فهو مجنون، أو زنديق. والمجنونُ يُداوى، والزنديق يُقتل".

وقال الإمام النووي: "مذهبنا أنه لا يجوز قراءة القرآن بغير لسان العرب، سواء أمكنه العربية أو عجز عنها، وسواء كان في الصلاة أوغيرها".

وقال الإمام ابن قدامة: "ولا تجزئه القراءة بغير العربية، ولا إبدال لفظها بلفظ عربي، سواء أحسنَ قراءتها بالعربية أو لم يحسن". ونحو هذا قال المالكية، وأهل الظاهر.


(١) سورة آل عمران، الآية: ١٠٣.
(٢) سورة آل عمران، الآية: ١٠٥. وانظر القول السديد، ص (١٤-٣٧) ، ومناهل العرفان (٢/٤٣-٤٨) ترى ما ذُكر من هذه الأمور وأكثر.