الوجه الثاني: هو ما قدمنا عن عبد الرحمن بن زيد، وعليه فالإشكال ظاهر بين الآيات. والذي يظهر لمقيده -عفا الله عنه- أن قوله الخبيثاث للخبيثين إلى آخره على هذا القول من العام المخصوص بدليل امرأة نوح ولوط وامرأة فرعون وعليه فالغالب تقييض كل من الطيبات والطيبين والخبيثات والخبيثين لجنسه وشكله الملائم له في الخبث أو الطيب مع أنه تعالى ربما قيض خبيثة لطيب كامرأة نوح ولوط أو طيبة لخبيث كامرأة فرعون لحكمة بالغة كما دل عليه قوله:{ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا} وقوله {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا} مع قوله {وَتِلْكَ الأمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلاَّ الْعَالِمُونَ} فدل ذلك على أن تقييض الخبيثة للطيب أو الطيبة للخبيث فيه حكمة لا يعقلها إلا العلماء؛ وهي: في تقييض الخبيثة للطيب أن يُبَيِّن للناس أن القرابة من الصالحين لا تنفع الإنسان وإنما ينفعه عمله ألا ترى أن أعظم ما يدافع عنه الإنسان زوجته وأكرم الخلق على الله رسله فدخول امرأة نوح وامرأة لوط النار كما قال تعالى: {فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَقِيلَ ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ} . فيه أكبر واعظ وأعظم زاجر عن الاغترار بالقرابة من الصالحين والإعلام بأن الإنسان إنما ينفعه عمله ليس {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ} ... الآية كما أن دخول امرأة فرعون الجنة يعلم منه الإنسان إذا دعته الضرورة لمخالطة الكفار من غير اختياره وأحسن عمله وصبر على القيام بدينه أنه يدخل الجنة ولا يضره خبث الذين يخالطهم ويعاشرهم فالخبيث خبيث وإن خالط الصالحين كامرأة نوح ولوط والطيب طيب وإن خالط الأشرار كامرأة فرعون، ولكن مخالطة الأشرار لا تجوز اختياراً كما دلت عليه أدلة أخر.