للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

٣- ورجح البعض (١) رأي أبي حنيفة وأجابوا عن استدلال الجمهور بقصة لبيد أنه صلى الله عليه وسلم لم يقتله، لأنه لا ينتقم لنفسه، ولأنه خشي أن تثور بسبب قتله فتنه، ولئلا يكون في قتله تنفير عن الإسلام (٢) .ولعل قول الجمهور أولى، لأنه غير مسلم فلا يؤاخذ بمخالفة تعاليم الإسلام. ما لم يكن في ذلك نقض للعهد.

رابعاً: توبة الساحر:

ذكرنا آنفا عند الكلام على عقوبة الساحر أن مذهب الإمام أبي حنيفة، ومالك وأبي ثور ورواية عن أحمد، وعدد من كبار الصحابة، وجماعة من التابعين أن الساحر يقتل بدون استتابة وذكرنا جملة من أقوالهم التي تؤكد ذلك وقد استدلوا على ذلك بأدلة منها:

الأول: قوله تعالى: {فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا ... الآية} (٣)

وجه الدلالة: أن الآية دلت على أن الكفار لاينفعهم الإيمان بعد رؤية العذاب. فكذلك الساحر بعد الشهادة عليه قد رأى البأس فلا ينفعه الإيمان ولا تقبل توبته (٤) ، الثاني: قوله تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً ... إلى قوله تعالى- إِلا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (٥)

وجه الدلالة: أن الله أطلق في هذه الآية الحكم على المحاربين والذين يسعون في الأرض فساداً إلا من تاب قبل أن يقدر عليه. ومثل ذلك الساحر، إذ هو من الذين يسعون في الأرض بالفساد - إذا تاب قبل أن يقدر عليه قبلت توبته وإلا فلا (٦) .


(١) مثل الإمام الشنقيطي. أضواء البيان ج٤ ص٤٧١.
(٢) انظر فتح الباري ج١٠ص٢٣٦ وأضواء البيان ج٤ص٤٧١.
(٣) آية ٨٥ سورة غافر.
(٤) انظر تفسير القرطبي ج٢ ص٤٩ ج١٥ ص ٣٣٦.
(٥) آية ٣٣-٣٤ المائدة.
(٦) انظر: فتح القدير ج٢ص٣٦ تفسير الرازي ج٣ص٢١٥ الإنسان بين السحر والعين والجان ص ١٠٧.